لطالما كنت مغرما بإصلاح الأشياء التالفة وإعطائها عمرا أطول من عمرها الافتراضي، يمكنك ملاحظة هذا من تدوينات صيانة الكمبيوتر والمولدات (صدقوني لا أمتلك ورشة مولدات). خاصة لو كان لهذه الأشياء قيمة عاطفية.

هذه المرة هي ساعة يد قديمة اشتريتها منذ 11 سنة.
في البداية هي من أول  الأشياء التي اشتريتها من حر مالي عندما كنت أتاجر في المدرسة بالقرطاسية وأوراق لعبة (يوغي يو) بين زملائي في المدرسة وأصدقائي. وكل من شاهد تعاملاتي التجارية تنبأ لي بمستقبل زاهر في التجارة، لكنني اخترت العمل في مجال التعليم. 
Old Intermilan Watch
صورة للساعة قبل الصيانة

مالذي يجعل هذه الساعة مميزة؟

شيء أخر جعل هذه الساعة مميزة جدا هو أنها تحمل شعار فريقي الرياضي المفضل انتر ميلان. لذلك بعد أن تلفت لم يطاوعني قلبي لرميها وبقيت حبيسة علبة الساعات في أحد الأدراج.
مرت سنوات طويلة صعد الانتر خلالها لمنصات التتويج وصنع المجد التاريخي بتتويجه بالثلاثية في عام 2010 والساعة لا تزال ملقاة في مكانها.
ثم مرت سنوات عجاف على الانتر وعلى ليبيا وعليّ أنا شخصيا، وكنت كلما أفتح علبة الساعات أتأملها بحسرة قبل أن أعيدها لمكانها وكان يحز في نفسي أنني لا أستطيع إستعمالها بعد الآن.

محاولة فاشلة

في سنة 2016 قررت أن أقوم بصيانتها وأخذتها لأحد الساعاتية المنتشرين في شارع المعري، والذي قال بعد تجربة عدد من البطاريات عليها دون فائدة أنها تحتاج لمحرك جديد ولا يمكنه استبدالها، بل قال أنها غير قابلة للإصلاح. وبذلك عادت الساعة لعلبة الساعات التالفة مرة أخرى.

الانتر عائد

نهاية الموسم الماضي أتى لوتشيانو سباليتي لتدريب انتر ميلان قادما من روما مع وعد أن يعيد للانتر مكانته السابقة. ومع سلسلة انتصارات كبيرة دون خسارة تجدد حماسي للفريق.
أثناء أحد زياراتي “المثمرة جدا” للمصرف قررت التجول في محلات شارع الرشيد المتخصصة في بيع الساعات، ولم أجد محلا واحدا يبيع ساعات بها شعارات فرق رياضية.
مررت بأحد الساعاتية (الذي وللمفارقة يجلس بالقرب من مقر شركة القناة القديم) أمام محطة إيفيكوات المدينة، وعرضت عليه تصليح الساعة فطلب رؤيتها أولا ووعدني خيرًا.

الصيانة

يوم اﻷربعاء أحضرتها له وأنا عائد للبيت من العمل فقال أنه يمكنه إصلاحها، وبسعر أقل من سعر أرخص ساعة في شارع الرشيد. وفي اليوم التالي وجدت أنه قام بتركيب أذرع جديدة ومحرك جديد وأعطاني عليها ضمانة بضعة أيام.
للأسف لم تعمل الساعة كما يجب واتصلت به لأخبره بذلك في نفس اليوم (في الحقيقة توقفت عن العمل في الطريق للبيت)، فطلب مني أن أحضرها يوم الأحد لأنه لا يعمل يوم السبت، فوافقت على مضض لأن الأحد يوم إجازتي.

أخذ الساعة للصيانة مجددًا

خرجت من البيت ولا شيئ على جدولي سوى صيانة الساعة، وكانت السماء ممطرة وبدأت البرك في التشكل في الطرقات، وما زاد الطين بلة هو خسارة انتر ميلان لأول مرة ذلك الموسم على يد فريق أودينيزي ضعيف المستوى في مفاجأة غير متوقعة. منهيا سلسلة الانتصارات وصدارة الدوري معها، اﻷمر الذي صعّب عليّ فكرة أخذها للتصليح مجددًا والفريق الذي تحمل شعاره خسر للتو صدارة الترتيب!!

تسلم الساعة

إتصل بي الساعاتي  يوم الثلاثاء قائلا أن الساعة جاهزة، لكنني كنت مشغولًا فتعذرت وأجلت ذلك لليوم التالي (سأخصص تدوينة كاملة لعشقي لأيام الأربعاء) وكانت السيول تنهمر في شوارع طرابلس وعبرت عدة برك وبحار لأصل لمكان الساعاتي وأستلم الساعة، لا أستطيع وصف فرحتي وأنا أراها تعود للحياة بعد سنوات طويلة من الإهمال والتلف!

مفاجأة غير سارة

وأنا عائد للبيت مرتديًا الساعة لاحظت أن وجه الساعة بالكامل يتحرك في مكانه مع أبسط حركة من معصمي، وعندما وصلت للبيت وجدت أنه لم يلصق محرك الساعة بالوجه، والوجه بالإطار، الأمر الذي اضطررت لفعله بنفسي (مرتين في الواقع لعدم رضاي عن النتيجة الأولية) وأدى لفكي للساعة بالكامل ثم تجميعها مجددًا، لقد تعلمت كيف تعمل الساعة!
كما حاولت تغيير الزجاج المصاب بخدوش بزجاج من ساعة أخرى من العلبة، لكنها تحطمت وجرحت إصبعي. جد شغفك ودعه يقتلك!

قررت ترك بعض العيوب فيها شاهدة على مرور السنين، اﻷمر شبيه بلوحة دافنشي الموناليزا عندما أحجم عن رسم شامة الجيوكوندا، هي التفصيلة التي كانت لتفسد اللوحة بالكامل.

وقفة تأمل

هنا أحب أن أتوقف لأتأمل إن كان هذا القرار صائبا أم لا:
هل صيانتي لساعة تالفة وتضييع وقت وجهد ومال في سبيل ذلك هو قرار سليم؟
مع المفارقة أن تصليح الساعة اليوم كلف ستة أضعاف ثمن الساعة في يومها (دون حساب غلاء المعيشة).

تجاوز الأمر مجرد تصليح ساعة وتعداه ليصبح اعادة ترميم لرمز شهد على حقبة من الزمن الجميل. لذلك أعتقد أن اﻷمر كان يستحق كل التعب والمشقة التي تكبدتها في سبيله، وأن هذه الساعة ليست أداة لتحديد الوقت بل شاهدًا عليه، إن كان هذا يعني أي شيء بالنسبة لك.

ملاحظة: هذه التدوينة نشرت في يوم مولدي.

ختاما

 أتمنى أن تكون الأيام المقبلة أفضل من سابقاتها، لنفسي وبلادي وفريقي الرياضي المفضل.
هل يا ترى تعود ليبيا ويعود الانتر كما عادت الساعة التالفة؟
هل لديك شيء قديم ترفض أن تتخلص منه؟ هل حاولت جاهدا صيانة شيئ قديم رغم أراء من حولك؟

شاركني بذلك في قسم التعليقات رجاء.

تحديث: العشرون من شهر مايو 2018

تأجل حسم التأهل لدوري الأبطال حتى الجولة الأخيرة، ورغم تعثر الانتر في مباريات سهلة حسابيا، إلا أن انتر سباليتي يكسر نحس السبع العجاف، ويتأهل لدوري الأبطال. وهدافه ماورو ايكادري يتقاسم الصدارة مع هداف لاتسيو امبويلي. ياله من يوم سعيد!!

تحديث 2 مايو 2021: أبطال إيطاليا!

بعد 11 سنة عجفاء! يعود الإنتر لمنصة التتويج! لم أتوقف عن الإيمان قط!