اﻷسبوع الماضي أقيم حفل توقيع بمكتبة الفرجاني (فرع ميزران) إحتفاء بصدور رواية (العقيد) للكاتبة كوثر الجهمي – نشرت لها مراجعة بالفعل.-  كون الرواية من أكثر الروايات مبيعًا. وعلى هامش هذا الحفل، طرحت عدة أسئلة على الأستاذة كوثر. أنشرها هنا على هذه المدونة.

بداية أحب أن أشكر اﻷستاذة كوثر على منحي من وقتها الثمين لإجراء مقابلة صحفية معها.

السؤال اﻷول: أود منك تقديم نفسك للجمهور الليبي أولًا، وللجمهور العربي ثانيًا؟

الشكر لك معاذ على إتاحة هذه المساحة لي عبر مدونتك.. كيف يمكنني تقديم نفسي؟ أظنني أمام معضلة، فأنا لا أرى كوثر الجهمي إلا سيدة عادية، وهذا ما أسميت به أول مدونة كتبت ونشرت عبرها، أنا سيدة عادية بمعنى أني زوجة وأمّ غارقة في مسؤولياتها النمطية، وصادف أنها تحب أن تَقرأ وتُقرأ.

السؤال الثاني: من اكتشف موهبتك وقام برعايتها؟ هل وجدت الدعم من المحيط اﻷسري والمجتمعي؟

لا أظن أن ثمة اكتشافات، لاحظ أهلي رويدا شغفي بقراءة القصص وكتابتها ورسمها وكانوا يحتفون بها بكلمات تشجيع وثناء وبشراء المزيد من القصص، ثم لاحظت ذلك بعض المعلمات فاستفدن من ميلي هذا للمشاركة في بعض الكلمات الصباحية في طابور المدرسة وفي بعض المعارض والمسابقات المدرسية التي لم أعلم يوما بنتائجها.
النقلة النوعية فيما أكتب حدثت بعد أن عرفت غادة السمان الأديبة السورية وأنا تلميذة في الخامسة عشر، عرفتني عليها معلمة أحببتها بشدة ورأيت فيها نفسي حين أكبر، أعني من حيث قوة شخصيتها وجمال روحها وإتقانها للعمل، وكنت قد جمعت لشدة تأثري بغادة السمان خواطر شعرية ظننتها تشبه ما كتبت غادة، كتبتها بخط جميل في ورق أبيض غلفته وادّعيت بيني وبين نفسي أن هذا كتابي الأول، ومازالت شقيقتي تحتفظ ببعض منه.
نعم، أنا محظوظة لأن دعم العائلة كان ومازال حاضرا بقوة، وامتدّ هذا الدعم إلى زوجي.

السؤال الثالث: أنت كاتبة حاصلة على جائزة (مي غصوب) للرواية عن رواية عايدون، وهذا فخر لك ولليبيا. ما هي هذه الجائزة؟ وكيف تم ترشيحك لها؟ هل يمكن أن تخبرينا المزيد حول ذلك؟

جائزة مي غصوب هي جائزة معنية بالروائيين الذين لم يسبق لهم النشر من قبل، أعني نشر الكتب. تعلن دار الساقي عنها عبر الموقع وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الإعلام المختلفة، مع موعد نهائي لتسليم المخطوطات وموعد إعلان النتيجة، يفوز بها في كل دورة كاتب/كاتبة، دون قوائم طويلة أو قصيرة، والجائزة هي نشر العمل فقط، ضمن عقد موقع يحفظ للكاتب حقوقه.
تتواصل دار النشر مع الكاتب الفائز بشكل غير معلن قبل الإعلان بشهر تقريبا، كي يجري أي تعديلات تطلبها لجنة التحرير في الدار، وكي يتم التجهيز لسفره إلى بيروت واستقباله في حفل الإعلان عن النتيجة، وأعتقد أن كل المسابقات تفعل ذلك.
أنا لم أسافر بسبب مشاكل سياسية منعت الليبيين في فترة ما من دخول لبنان عبر مطار بيروت الذي تسيطر عليه أطراف لديها مشاكل مع النظام الليبي السابق رغم انتهائه!
ولكن الفوز بالجائزة، نشر الرواية في دار الساقي التي تعد من أعرق دور النشر العربية، ثم الإعلان عنها في أهم وكالات الأنباء والصحف المهتمة بالثقافة والأدب، كل هذا حقق لي خطوة أولى واسعة وراسخة ربما يمضي فيها الكثير من الكتاب غيري سنوات وجهد أكبر.
رواية “عايدون” كانت فكرة عزمت وبدأت في كتابة مسودة بائسة من فصلها الأول نهاية عام ٢٠١٧، ولكن إعلان جائزة مي غصوب مطلع يناير ٢٠١٨ شجعني للمضي قدما والسعي بجدية اكبر أمام “ديدلاين” كان يوافق موعد ولادتي الرابعة. اقتنصت الفرصة وكنت قد نويت أن أسعى وراء نشرها حتى إن لم توفق، وبعد فوزها فهمت ما يعنيه الاستعداد للفرص النادرة حين تأتي.

السؤال الرابع: فلنتحدث عن عايدون قليلًا: من أين استوحيت البيئة، وجذور الشخصية الرئيسية؟ وهل تعتقدين أن قضية وقالب الشخصية الرئيسية شيء يمكن لجميع الليبيين التفاعل معه، وأن يجدوا أنفسهم فيه؟

كل ذلك كان حصيلة قراءات وشخصيات عاصرتها أو قرأت عنها أو قرأت لها، أما عن تفاعل القراء مع الشخصية باعتبارها متفردة بطبعها وربما كامرأة مدخنة فقد وُجدت “وفاء” الراوية في أول فصل لهذا السبب تحديدا، لتقديم غزالة وحسناء كامرأتين غير اعتياديتين في مجتمع تقليدي محافظ. وقد وجدت تفاعلا وتماهيا مع الشخصيات من بعض قراء العمل، القارئات على وجه الخصوص، فكل منهن وجدت نفسها أو جزءا منها، إما في شخصية غزالة أو حسناء، أو حتى وفاء التي ظهرت في الرواية سريعا بخفة دون أن تترك أثرا واضحا.
أما فصل مصطفى الكريتلي فهذا ما نال أكثر تعاطف ومؤازرة من معظم القراء الذين عبروا لي عن انطباعاتهم من العمل.

السؤال الخامس: عبر العقد الماضي حدث الكثير من الجدل المجتمعي حول محتوى بعض الكتب، سواء الكتب المحلية مثل (شمس على نوافذ مغلقة) و (خبز الخال ميلاد)، وأيضًا منع بعض الكتب العالمية مثل كتب (باولو كويللو) من البيع. هل تعتقدين أن الكاتب أو الكاتبة عليه أن يثير الجدل، ويتخطى الخطوط الحمراء لكي يشتهر كتابه ويصبح اﻷكثر مبيعًا؟

لا أعتقد ذلك ولكن دعنا لا ندعي معرفتنا بالنوايا.
يحدث أحيانا أن يصطدم كاتب جيّد دون وعي منه بأحد التابوهات، يحرضه حادث ما أو قراءة أو ظاهرة فيكتب بأبداع ويمس جدلية ما لفظية أو معنوية، ثم يحدث الجدل ويتهم بطلبه للشهرة لا للأدب. ويحدث أحيانا أن يتعمد أحدهم إثارة الجدل كي يُسمع عنه ويُقرأ ويكون له ما أراد لمجرد الجدل دون أن يكون ثمة أدب حقيقي. أتدري ما الذي يميز هذا عن ذاك؟ الجودة والتطور في الكتابة؛ فالأول يستمر وينسى الناس ما اعتبروها زلة له أمام جودة منتجه التالي وما يأتي بعده، أما الثاني فيُنسى، ولا يُلتفت أبدا لمنجزه بعد الضجة والشهرة.
الضجة تمضي طي النسيان، أما الأدب فيبقى. لم تعد عبارة “الكاتب المثير للجدل” تثير شهية قارئ هذا العصر أمام كل الجنون المحيط بنا. هذا ما أعتقده

السؤال السادس: هل حدث صدام مجتمعي ما بين رواية بطلتها نسوية مع قيم المجتمع الذكوري؟ وما هي ملامح الصراع ما بين الطرفين؟

الصدام يحدث باستمرار، والبطلة عدوة فكرة، عدوة سلطة الإجبار والقهر، لا سلطة الرجل على وجه الخصوص. هل تقع في الخطأ؟ طبعا تخطئ تارة وتصيب تارة في رحلة بحثها عما تريده هي حقا. أما أن يكون الصراع بين طرفين رجلا وامرأة، فلا أعتقد أن “عايدون” تقدم صراعا بهذه النمطية وإن خُيّل ذلك إلى بعض القراء.

السؤال السابع: ما هو كتابك المفضل، ولماذا؟

ليس لديّ كتاب مفضل. لديّ تصنيفات مفضلة، كالتاريخ والسير الذاتية والروايات التاريخية والاجتماعية وأحيانا روايات الغموض على غرار ما يكتب دان براون. بقية التصنيفات تندرج تحت تصنيف حالتي المزاجية. لديّ أيضا كُتّاب مفضلون، على رأسهم غادة السمان ونجيب محفوظ، ثم جاءت أليف شفق وأمير تاج السر وعائشة إبراهيم وبثينة العيسى، والصدفة هي ما جعلت عدد النساء يتفوق في قائمتي على الرجال، إذ لا تعتمد قراءاتي على نوع الكاتب بل على النص نفسه.

السؤال الثامن: من الكاتب أو الكتاب الذين شكلوا هويتك اﻷدبية؟ هل هناك كتاب ليبيون مفضلون لديك؟

ربما أجبت جزئيا عن هذا السؤال في السؤال السابق له. هويتي الأدبية تشكلت في بدايتها من تأثري الشديد بغادة السمان ونزار قباني في عمر مبكر، أتى بعد ذلك سيل من الكتاب والكتب ولا أدري كم نصيب كل منهم مما أصبح عليه قلمي اليوم.
بين الليبيين فقد سحرتني قصص خليفة الفاخري وكامل المقهور رحمهما الله، وامتدّ سحر القصة إلى قصص عزة المقهور وأحمد عقيلة، وأنا جدّ سعيدة بمنجز عائشة ابراهيم وأتطلع لجديدها دوما، كذلك نجوى بن شتوان، يعجبني عقل النيهوم وشعر عمر عبد الدائم… هؤلاء ربما هم من تركوا أثرا واضحا، ولكن كل من قرأت لهم كان لهم أثر بشكل ما… شيء آخر، لم أقرأ لكل الكتاب الليبيين، فأنا أكتشف هذه الأيام مثلا جمعة بوكليب، ومستمتعة باكتشافي هذا رغم تأخره.

السؤال التاسع: نشر لك حتى اﻵن ثلاث كتب: عايدون، وحي القطط السمان، والعقيد. هل لديك أعمال تحت الطبع؟ أو كتب تنتظر طريقها إلى النشر؟

لديّ عمل روائي في طريقه إلى النشر بإذن الله في دار الفرجاني في النصف الثاني من هذا العام، كتبته بدعم منحة قدمتها مؤسسة آريتي للثقافة والفنون، وبإشراف الروائية المصرية منصورة عز الدين.

السؤال العاشر: مالذي يدفعك للكتابة؟ هل الكتابة بالنسبة لك حاجة ملّحة؟ أم هي عمل روتيني؟

شعرت برغبة في كتابة قصص ثم روايات فانطلقت وراءها دون أن أعي تماما إلى أين ستمضي بي، ما أعرفه الآن أني عاجزة عن التوقف، ولكن الاستمرارية في حاجة إلى التدريب.. ثمة نشوى في هذا الأمر تشبه نشوة الإنجاز بعد عمل يوم مضنٍ.

السؤال الحادي عشر: في قصتك (سور المقبرة) التي كان محورها سكير ومتعاطي مخدرات، وكل منهما كان يدعي الثقافة، والفلسفة. ما كان الغرض من اختيار هذه الشخصيات؟ وهل هناك صورة نمطية بين الثقافة، وتعاطي هذه المواد؟

أول مرة أُسأل عن قصة من قصصي وأنا سعيدة لذلك!
ولكن اسمح لي أن أخيب ظنك وأن أخبرك ألا غرض من اختيار الشخصيات بهذه الكيفية وجبرا لهذا الكسر سأخبرك حكاية قصة سور المقبرة. بدأت فعليا من جزء محطم من جدار مقبرة بو مشماشة. لسبب ما استوقفني المنظر مرات عدة أثناء ذهابي وإيابي من المدرسة التي كنت أعمل بها في شارع النصر بطرابلس، وقفت مرة محاولة التقاط صورة قد تساعدني في فهم سبب اهتمامي بالمنظر: الجزء المنهار تبدو منه سلسلة من شواهد القبور البيضاء وسط حشائش المقبرة، وتعلوها من بعيد الأبراج الأشهر في طرابلس، برج بو ليلى وذات العماد وبرج طرابلس (الفاتح سابقا)، أول ما خطر ببالي كيف يفصل سور واهن بين عالم الحقيقة الغائبة (المقبرة) وعالم الوهم ربما، أو عالم الإيهام والخداع! كيف نمر يوميا بمحاذاة هذا العالم بتعالٍ وكأننا غير معنيين به، رغم أنه المكان الوحيد الذي سنمضي إليه جميعا دون استثناء! قفزت الشخصيات ولا يسعني أن أحلل وأفسر الأمر أكثر من هذا.
ولا، لا أرى أي ارتباط حقيقة بين الثقافة والخمور والسجائر، ولا بين الثقافة والقهوة ولا غيرها.

السؤال الثاني عشر: هل تقرئين الكتب بعين القارئ المتلقي، أم بعين الكاتب الناقد؟

كنت في نعيم القراءة للمتعة، ولكن سعيي نحو تحسين تجربتي في الكتابة أجبرني على القراءة بعين الناقد، لقد فقدت جزءا من متعتي نظير احترامي للقارئ! يشبه الأمر أن يخبرك أحدهم بأن القمر ليس إلا صخورا وتراب.

السؤال الثالث عشر: هل هناك أعمال لك لن تجد طريقها إلى النشر؟

ربّما، هذا شيء وارد. إما بناء على رغبتي أو بناء على رفض دور النشر!

السؤال الرابع عشر: ما هي رسالتك في الكتابة؟

تبدو كلمة رسالة كبيرة جدا أمام ما أحاول فعله. ما يسعدني ويشعرني بالرضا أن يخبرني قارئ ما أنه لم يكن يريد للكتاب أن ينتهي، أو أن يلحظ تفاصيلا دقيقة زرعتها بعناية خلال النص بحثا ربما عن هذا القارئ الذي لا يكتفي بقراءة السطح.

السؤال الخامس عشر: ما هي نصيحتك للراغبين في دخول مضمار الكتابة، واﻷدب؟

أن يقرأوا قدر ما استطاعوا وأن ينوّعوا في قراءاتهم، وأن يتقبلوا النقد والملاحظات بصدر رحب طالما لم يتخطَّ النقد حدود الاحترام والموضوعية، وأن يصبروا فالطريق طويل، وكلنا تقريبا نحبو ونحاول أن نقدم إضافة للمكتبة العربية.

في الختام

أشكر اﻷستاذة (كوثر الجهمي) على الوقت الذي منحته لهذه المدونة. ونتمنى أن نراها في أعلى المحافل العربية والدولية.

لك الشكر والامتنان الجزيل على اختياري ضيفة في مدونتك