“تحت هذا القناع أكثر من الجسد. تحت هذا القناع توجد  فكرة يا سيد (كريدي)، والأفكار مضادة للرصاص”

هذه إحدى الاقتباسات الملحمية من فيلم V for Vendetta. فيلم بريطاني يعود للعام 2005 ميلادي. أنصح بمشاهدته إن كنت ترغب في مشاهدة شخص شغوف .. لا أود حرق الفيلم حتى وإن كان عمره 15 سنة تقريبًا..

ما هو التفكير؟

سؤال بديهي أليس كذلك؟ أنت الآن بينما يعالج عقلك هذه السطور تقوم بالتفكير في إجابة عنه. يمكن القول بأنه تشغيل العقل لغرض فهم شيء ما.

التفكير نشاط هام، لكن كم مرة نفكر فعلا؟

الأمر يتراوح من شخص لأخر. البعض يمضي الوقت في التفكير دون فعل! والبعض الأخر يمضي وقته في الفعل دون تفكير! أعتقد أن كلاهما خاطئ.. الإفراط في التفكير مرض مرهق لصاحبه. والحماقة أعيت من يداويها.

كيف يمكن تحسين جودة الأفكار وتنقيحها؟

طرح الأسئلة مهم جدًا، الأسئلة الصحيحة. الأسئلة تجلب بدورها تفرعات وأفكارًا أخرى لم تكن لتخطر ببال. أبسط مثال يمكن سرده هنا هي الأسئلة المعروفة في اللغة الانجليزية بأسئلة (WH questions) .

What? – How? – When? – Where? – Why?

هذه الأسئلة (ماذا؟ كيف؟ متى؟ أين؟ لماذا؟).  الحصول على الإجابات لهذه الأسئلة يعطي فهمًا لهذه المسائل ولو بشكل أساسي.

ما هي العملية الفكرية التي تستخدمها؟

  • الخرائط الذهنية مثلا هي إحدى الطرق لطرح الأفكار وتقسيمها وفهم ارتباطاتها.
  • الحديث مع الآخرين أو حتى مع النفس يمكن أن يساعد.
  • كتابة الأفكار ورسم وخربشة المخططات قد يساعد كذلك.

هل يمكن للمناقشات تحسين جودة الفكرة وتحويلها من “مجرد فكرة”، إلى فكرة عبقرية؟!

نعم! من القصور التفكير أن عقلك محيط بكل التفاصيل والحيثيات. عندما تطرح فكرتك على الآخر حاول الاستماع إلى ما يرد به قبل فرض فكرتك عليه. فقد تكون إَضافة ذات وزن وقيمة.

الأفكار الجيدة تولد أفكارًا جيدة.

عندما تحيط نفسك بوسط عال الجودة ومحتوى رفيع. سيعمل ذهنك على ذلك التردد ويتعامل معه.
أذكر مثالا على ذلك من موقع ريدت الشهير، به منتدى showerthoughts “أفكار حوض الاستحمام” وبه يطرح الأعضاء أفكارًا خطرت عليهم في أغرب اللحظات. أجد بعضها ملهمًا جدًا ومثيرًا للاهتمام.
أيضا هناك منتدى askreddit/ وبه بعض الأسئلة المحورية وإجابات تتراوح بين الساخرة والمبدعة. أنصح بشدة بمطالعة محتوى هذين المنتديين. تلك الأسئلة والأفكار تفتح العقل على نوافذ لم تكن لتخطر ببال.

لحظة اليوريكا

يوريكا هي كلمة يونانية تعني حرفيًا (وجدتها) وتنسب للعالم أرشميدس الذي فهم قانون الطفو عندما رأى كمية المياه التي أزيحت عند دخوله الحمام (وربما يكون وجد الصابونة).

لحظة تفتق الذهن عن فكرة أو حل لمشكلة ما. يزعجني جدا التفكير في كم من فكرة ضاعت بسبب عدم تدوينها بالشكل الملائم. هل كانت إحدى هذه الأفكار لتنهي الجوع في العالم؟ أم إن إحداها كانت لتعالج مرضًا عضالا يفتك بالكثيرين؟ أو شيء يقلل التلوث؟

الرياضيات والتفكير

شخصيًا لم أكن أبدًا من محبي الرياضيات، بل إنها في فترة كانت مشكلة حياتي الأساسية أيام دراستي بالمعهد. وأذكر جيدًا فضل الأستاذ (علي نشنوش) -ذكره الله بكل خير- عليّ وشرحه السلس المبسط. وقوله بشكل دائم أن الرياضات “رياضة للدماغ”. وأن المهندس بحاجة لدراسة الرياضيات حتى لو لم تكن تخصصه.. أعتقد الآن أنه كان محقًا.
ليست الرياضيات فقط، بل كل ألغاز الذكاء وألعاب العقل التي تعتمد على تنشيط الفكر. أظن أنه يجب إدراجها في المناهج الدراسية. ولو كمادة تحت المجموع (ليس بها نجاح ورسوب).

تخمير الأفكار

أحيانًا تظل الفكرة خامدة في العقل الباطن كبذرة. تنتظر اللحظة المناسبة بينما هي تنمو وتترعرع في اللاوعي. ثم تبرز على السطح لتبدو وكأنها وليدة اللحظة أو كإلهام من اللامكان. لا أعرف كيف يمكن فعل هذا بشكل “واعي”. لكني قرأت في مكان ما عن العمليات الفكرية لنوابغ المسلمين وطرق حلهم للمشاكل. كان بعضهم يتلو شيئًا شبيها بالأرجوزة قبل نومه ليستمر ذهنه في حل المسألة. وكان آخر (أظنه جابر بن حيان) يحل المسائل قبل نومه مباشرة وينام على قراطيسه ليستمر في الحل وهو نائم.

قوادح العقل

ختامًا

كلنا ولدنا بعقول، الكل بإمكانه تشغيل عقله والولوج لإمكانياته الخارقة. العقل الذي أوصل الإنسان للفضاء وذلل أمامه الصعوبات. لكن هذا الخيار خيار واع وطريق وعر ليس الكل راغبًا في سلوكه.

هل تعتقد أن هناك أناسًا ولدوا عباقرة وأن السباق حسم سلفًا؟ أم أن طريق النبوغ والجد والاجتهاد مفتوح أمام الكل؟