رغم أنه ليس لدي حساب على تطبيق “تيك توك” إلا أن محتوى هذا التطبيق تسلل إلى الشبكات الاجتماعية الأخرى. ويتم مشاركته على أنه شيء غريب ومثير للدهشة. وهو ما أود مناقشته في هذه التدوينة.
لن أتحدث عن أي “صانع محتوى” بالاسم وذلك لأسباب واضحة.
العار
مالذي أقصده بالعار؟ العار هو خروج عن المألوف، والتصرف بطريقة شاذة وغريبة للفت الانتباه. أو إتباع تحديات لا يعرف مصدرها ولماذا أتت. فقط لجلب الانتباه والمشاهدات. وهذا الفعل يتساوى فيه الذكور والإناث دون تمييز.
قد تجد رجلًا تخطى الخمسين من عمره، يشعل سيجارة ويتلفظ بألفاظ قبيحة نابية. ويشير بإشارات فاحشة. أو شابًا يتراقص كالقرد. وغير ذلك من الأشياء التي لا قيمة لها. وتفقد جاذبيتها سريعًا.
بل إن بعض الفيديوات التي شاهدتها تروج للمسكرات، والمنكرات! وهذا فعل محرم وغير قانوني.
المحافظة على المشاهدين
بعد تكوين قاعدة مشاهدين يلجأ “صانع المحتوى” لوسائل مختلفة لجذب الانتباه ودفع الرتابة والملل. إن كان اختار الرذالة سبيلًا. فمن أين الطريق؟ أين سيتوقف صانع المحتوى هذا؟ هل هناك سقف معين أو خط أحمر لا يتعداه؟ كم من الألفاظ القبيحة سيتلفظ بها هذا الشخص لكي يحافظ على جمهوره؟
وهل لهذه المشاهدات قيمة؟
الجملة التي أكررها دائما هي: “المشهور على وسائل التواصل دون ثروة أو تأثير حقيقي، مثل مليونير بنك الحظ. لا قيمة لأمواله“.
وحتى إن كان لها قيمة. هل هناك قيمة حقيقية في ضياع الكرامة، والاحترام. في سبيل إضحاك مجموعة من الغرباء؟ بحط قدر النفس وإهانتها؟ حتى وإن كان يدفع له الموقع مالا مقابل هذا التهريج. هل هناك ثمن للكرامة والقدر؟
طموح صناع المحتوى
الوصول إلى مرتبة مذيع في إحدى القنوات الخاصة. أو ممثل في موسم السباق التلفزيوني الرمضاني. حيث أن الكثير من القنوات والمنتجين يلجأ لشريحة “الانفلونسرز” ومشاهير شبكات التواصل عند البحث عن “مواهب”. وعادة ما تكون النتائج سيئة للغاية. لأن معظم هؤلاء ليسوا ممثلين، وليس لديهم فكرة عن تجسيد الشخصيات، وتقمص الأدوار.
التطور العكسي
أتذكر أنه في إحدى السنوات كان هناك برنامج رمضاني لفتاة تمسك الهاتف عموديًا (أي أن ثلثي الصورة مقطوع). وتضع فلتر على وجهها يجعله مشوها. وتتحدث بصوت معدلّ مستفز يجعل من المستحيل متابعة ما تقول. إن كان هناك تطور من مرحلة صناعة المحتوى على وسائل التواصل والوصول إلى إمكانيات محطة فضائية. إذا لماذا نرى نفس المحتوى الذي كان على وسائل التواصل؟ هل تحاول أن تخبرني أن أحدهم دفع مقابل شريحة إعلانية قبل أو بعد هذا الهراء؟! هذه الفقرة بثت لسنتين متتاليتين على الأقل.
حلم غير ممكن
كم تحتاج بلادنا لممثل ومذيع؟ بالمقابل: كم نحن بحاجة إلى شريحة من الفنيين المؤهلين؟ أو المعلمين الأكفاء؟ وغير ذلك من الحرف؟ – تعمدت عدم ذكر المهندسين والأطباء ومعضلة كليات القمة لأسباب واضحة – هل المثل والقدوة الآن هو الإنفلونسر والفاشونيستا؟
هل هناك على هذه المواقع محتوى يحترم عقلك؟
طبعًا بالتأكيد. لكن الخوارزمية التي تتحكم في التريند والمحتوى ستدفع بالمحتوى السيئ إلى أعلى وتردم الجيد والثمين. بل إنه سبق لي رؤية مشاهد طبيعية عليها آيات قرآنية عليها العلامة المائية “لتيك توك”. وهذا يعني أن أحدًا ما، في وقت ما. شاركها.
من أين الخطأ؟
لو سألت “صانع المحتوى” سيجيبك بأن “المشاهد هكي يبي”. أي أنه يقدم هذا الذوق الهابط لجمهور ذوقه هابط. بينما الجمهور يشعر بالملل ولا يجد شخصًا يشبهه أو يتحدث بلسانه. وربما يصنع من شخص “شلافطي” وشوارعي المثل والقدوة.
في الختام
لا أعرف إن كانت هذه مرحلة مؤقتة يصل بعدها المشاهد لمرحلة التشبع، ثم التخطي. أم أن هذا واقع معاش يولد فيه القبح المزيد من القبح؟