سبع سنين مرت منذ توفى صديقي حمزة في حادث أليم، اليوم لا يوافق الذكرى السنوية لوفاته ولا ذكرى أي شيئ أخر، تصادف أنه قد عثرت على مدونتي القديمة التي أنشأتها فور انتقاله للرفيق اﻷعلى والتي كانت طريقتي في تخليد ذكرى صديقي الذي بدا أن الكل نساه، لا زلت أذكر ابتساماتهم في المقبرة وضحكهم وحديثهم في أمور الدنيا الفانية وحمزة لم يجف ترابه بعد، وهنا رجعت بالذاكرة إلى تلك النقطة من الزمن.


لم يتوفى حمزة في اشتباك أو “دعكة” خاوية من المعنى والمضمون، بل مات في حادث مروري قبل أن يقع السلاح في أيدي المدنيين ونصبح (الشعب المسلح) بالفعل، وبدلًا أن نحارب الصهاينة وأعداء الوطن كما ينبغي “للشعب المسلح الغير قابل للهزيمة” تفننا في نبش الخصومات والعداوات القديمة وإذكاء نار الفتن وإفناء بعضنا بعضًا.

اضطررت لاستعادة كلمة السر عبر عملية طويلة ومعقدة، فقد ألغيت بريدي الإلكتروني الذي سجلت به تلك المدونة لذا انعدمت فرص استردادها بتلك الوسيلة، وبعد العديد من المحاولات المضنية استعدت مدونتي القديمة ومعها ذكريات مشوشة عن واقع لم يعد موجودًا، ولدهشتي كانت المدونة خالية! لا أذكر لماذا لم أكتب أي شيئ فيها أو أعبر عن طوفان المرارة الذي كان يموج بداخلي؟!

موت حمزة المفاجئ أثر علي بشكل مباشر وشخصي (بالإضافة لظروف أخرى كنت أمر بها)، حمزة كان زميلي في المعهد وصديقي وكنا نسكن نفس المدينة قبل أن أنتقل منها إلى مدينة أخرى،  كنت أقدر روحه المرحة وخفة دمه كثيرًا (رحمه الله) وحقيقة أنه يأتي من مكان بعيد ليحضر المحاضرات ويركب وسائل مواصلات عديدة ليصل في الثامنة صباحًا للمعهد، ثم يغادر معنًا في السادسة مساء ليصل منزله بعد حلول الظلام دون أن يشتكي أو يتذمر.

خبر وفاته نزل على رؤوسنا كالصاعقة، لم يتوقع أحد أن تتعرض السيارة التي كان يركبها لحادث مروري ينجو منه السائق بأعجوبة ويتوفى الراكب حمزة الذي كان في طريقه إلى المعهد لحضور محاضرة.

كان الفصل الذي قبله فصلًا مغلقًا (أي أنك يجب أن تنجح في جميع المواد قبل أن تنتقل للفصل التالي) وقد رسبت أنا  في مادة واحدة فقط من أصل سبع مواد ( لا يسعني المجال لذكر اﻷسباب الآن) وكان علي أن أعيد فصلًا كاملًا وأنا أدرس مادة واحدة فقط ما يخالف كل لوائح التعليم العالي، بينما رسب رحمه الله في مادتين، أذكر امتحان أحدهما المعملي حيث دخل هو ورسب بينما نجحت أنا في ذلك الامتحان النهائي بالكاد، كان قدره أن يتوفى وهو أت ليعيد تلك المادة بالذات التي دخل امتحانها المقسم لطاولتين، طاولة تعنت المعيد الذي يشرف عليها ورفض مساعدة الطلبة في حل الامتحان التعجيزي الذي وضعه، وطاولة سهلت المعيدة امتحانها، ولك أن تحزر أي الطاولتين كانت طاولته وأيها كانت طاولتي.

ولا زلت حتى يومنا هذا أمقت ذلك المعيد المتكبر الفظ غليظ القلب وأحمله ولو جزءًا من مسؤولية وفاة حمزة (أنا مؤمن بالقضاء والقدر تمام الإيمان) و لا زلت متحاملًا على تلك اللائحة التي أراها جائرة ولم ينفع مرور السنين الطوال في تغيير وجهة نظري فيها.

يوم سماعنا الخبر بكت زميلاتنا بكاءً مرًا على وفاة حمزة، وإحداهن بالذات أثر في بكائها لأنني كنت معجبًا بها من بعيد، لدرجة أنني غبطته على ذلك الموقف!!

مرت سنوات عديدة وأحداث مهولة على هذه البلاد، ولكنني لم أتمكن من نسيان حمزة، للأسباب التي خلت كلها وأسباب لا أفقه كنهها، أسأل الله له الرحمة والمغفرة وأسألك عزيزي القارئ أن تدعو له بالرحمة والمغفرة.

سورة الفاتحة صدقة على روح صديقي
سورة الفاتحة

بقي أن أذكر أن مشروع تخرجي من المعهد كان لعبة تفاعلية تعليمية للأطفال، اخترت للشخصية الرئيسية فيها اسم حمزة (رحمه الله)، كانت هذه طريقتي في تذكر حمزة وأن أتأكد أنه لم ينسى، مع علمي أن أصدقائه نسوه لحظة مواراته الثرى.

لماذا أنشر هذه التدوينة اليوم؟ لا أعلم! رغم أن غدًا هو غرة شهر رمضان المبارك ومن المفترض أن تكون هذه تهنئة بالشهر، لكنها ليست كذلك!

 

هذه التدوينة كانت تخيم على أفكاري منذ أن استعدت مدونتي القديمة، ولكنني قررت نشرها هنا بدلًا عن ذلك، ولا أظن أنني سأنشر أي شيئ على تلك المدونة أصلًا (هذه التدوينة كانت معدة للنشر على مدونتي على الووردبريس لكن ذلك لن يحصل)..

رحمك الله يا حمزة.