مر عام ونصف منذ دونت عن أزمة السيولة في ليبيا، وحتى الآن فإن بوادر الحل لا تزال بعيدة المنال. هذه التدوينة لا تحاول حل لغز اختفاء 30 مليار دينار من المصارف (حسب بيانات المصرف المركزي)، ولا الإجراءات المصرفية التعسفية وتعسر السحب من المصارف،لأن هذا الأمر بالذات عجز عنه جهابذة الاقتصاد في ليبيا! لكنها تركز على الحلول البديلة ونظرة مستقبلية.

الدول الأوروبية والنقود الورقية

تفكر عدد من الدول الأوروبية في التخلي عن النقود بالكامل أولها السويد، لأن مواطنيها يعتمدون على طرق الدفع الإلكترونية بشكل كامل تقريبًا، ولتوفير نفقات طباعة النقود.

الجانب الأخر من العالم

دولة صغيرة اسمها أرض الصومال (ليست دولة الصومال الشقيقة) لديها أزمة اقتصادية خانقة، ليست لأن العملة غير متوفرة، بل إن الدولة تعاني من تضخم شديد، الدولار الأمريكي الواحد يساوي 9000 شلن، لدرجة إن تناثرت العملة التي تنقل على عربات في الشارع، لن يبالي أحد بالتقاطها!!

هذه الدولة لديها طريقة أخرى في دفع مستحقاتها وهي رصيد الهاتف النقال، فعدد كبير من مواطني هذه الدولة يحمل الهاتف النقال ويستعمله لدفع ثمن مشترياته، وهو الأمر الذي يغضب تجار العملة كثيرَا!

هل يمكن تطبيق هذا الحل في ليبيا؟

شركة المدار بدأت في تطبيق شيء مشابه، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت لينتشر ويعم.

فنزويلا

فنزويلا أيضا تعاني من التضخم و انخفاض سعر العملة المحلية، وهي نقطة نعاني منها هنا في ليبيا، لكن الوضع في ليبيا لا يزال أفضل حتى الآن والحمد لله (لكنه مرشح لأن يسوء بتلك الطريقة).

خدمة البطاقات المصرفية

كنت قد دونت عنها في التدوينة الأولى، وهي تمكنك من شراء الخدمات والسلع باستخدام البطاقة (بجانب غرضها الأساسي وهو سحب المال من آلات السحب المنتشرة هنا وهناك)، ومنذ ذلك الوقت دخلت هذه الخدمة حيز التنفيذ وساهمت بحل جزء من المشكلة الكبيرة التي تتمثل في وجود أرصدة في المصارف لكن بدون نقود لسحبها.

الجانب السلبي لخدمة البطاقات

الكثير من التجار يستغل هذه الخدمة ويرفع أسعار الخدمات (المرتفعة أصلا) بحجة أنها تسعيرة البطاقة، وهو ما يعد من الربا – حتى وإن كان بعض أهل العلم قد أباحه للمشتري للضرورة -، وذلك بسبب غياب القانون الرادع على مثل هؤلاء التجار. لذلك يمضي المواطن يومه بحثًا عن محلات وسلع بسعر “الكاش” بعد أن فقد الأمل في الحصول عليه من المصارف مباشرة.

ما يراه التاجر

بالنظر للمسألة من وجهة نظر التاجر، فإن المصارف أخلفت وعودها بسحب القيمة من حساب التجار بعد وصولها إلى مبلغ معين، وأيضا بسبب غياب القانون فإن المال يدور خارج المصارف، وكذلك بالرشوة يمكنك سحب ما تشاء (أن تأخذ الربا لتدفعه رشوة للمصرف، كم هذا رائع).

خطوات خجولة

لا يزال التعامل بالبطاقة يشوبه الحذر والخجل من جانب المشتري، كأن البائع تفضل عليك و”تجمل” عليك من مال أبيه، بينما العالم بأسره يتعامل بهذه البطاقات منذ عشرات السنين، الأمر الذي يحتاج لخطوات جذرية لحل المشكلة.

 الاهتمام بالبنى التحتية

وأعني بذلك منظومات المصارف والإنترنت والكهرباء، فهي عماد خدمة البطاقات المصرفية والدفع بالشيكات، ليس من المعقول أن مقاصة من مصرف لأخر داخل البلاد تستغرق عشرين يومًا وأكثر ! إن لم يكن لديكم مال فحسنوا خدماتكم الأخرى على الأقل.

توفير مال في المصارف

أنا متأكد من أنه لو طبعت عملة جديدة، ستظهر شاحنات محملة بالعملة التي ستتغير إلى المصارف، بل وسيدفعون الرشاوي لتغييرها بعد نفاد أجل التغيير (لأن هذه الأمور تحدث دائما في ليبيا) وهذا لن يحدث حتى تعود الثقة في القطاع المصرفي، وغيابها هو سبب سحب اﻷموال خارجها.

العقلية

وهذه المسألة هي الأهم والأصعب، لأن العقلية التي تريد التعامل بالأموال السائلة وترفض وسائل الدفع الأخرى، وتستبيح الربا لاستغلال المواطن والاستيلاء على أكبر قدر من أمواله، هي ذات العقلية التي أعتقد أنها ستؤدي بنا للانقراض عاجلا غير أجل!!

حتى تنفرج هذه الأزمة التي طالت المقام حتى أقامت..