هذه سلسلة تدوينات بمناسبة أسبوع المرور العربي وفيها أحكي كيف تعلمت القيادة في ليبيا. توقفت عند شهر رمضان المبارك وكيف أنني إنقطعت عن التدريب خلال هذا الشهر.
هذه القصة مبنية على أحداث حقيقية 100% وكل الشخصيات بها مستوحاة من شخصيات حقيقية لأنها كذلك!!
لقراءة الجزء اﻷول إضغط هنا. وللجزء الثاني إضغط هنا من فضلك.

العودة للتدريب

بعد رمضان بدأت الدراسة وكنت قد نسيت القيادة تمامًا وحاولت التركيز على دراسة مادة واحدة فقط – لظروف شاذة كنت أمر بها فرضت عليّ دراسة مادة واحدة في ذلك الفصل – لتصدمني وفاة صديقي حمزة وما أعقبه ذلك من تأثير عميق على نفسيتي. وبالقرب من نهاية الفصل الدراسي عدت للتدريب على القيادة دون أن أنجو من التوبيخ.

قال لي المدرب بغضب: “بتولي جديات ولا؟ مش تتدرب وتسيب وتتدرب وتسيب حتى اللي تعلمته تنساه راك. أسمع راهي أخر مرة، بعدها والله ما عاد نعرفك، فاهم ولا؟”.

لم تفلح أعذاري معه باستثناء ألم كاحلي حيث قال لي بعصبية وإستنكار: “وكان قلتلي رجلك توجع فيك راه مش هكي الكلام!”.

عدنا للتدريب وأخذ الأستاذ يدربني على سيناريو الامتحان الذي هو عبارة عن جولة بالسيارة حول منطقة محددة يتوجه المتدرب فيها يمينًا ويسارًا حسب توجيهات الممتحن الذي يحاول إرباكه وإفشاله، بالحديث تارة وبالإٍسئلة العشوائية تارة أخرى. وليس من الضروري أن أؤكد أن لبس حزام القيادة وإستخدام أضواء التوجيه (الفليتشات) والنظر في المرآة من ضروريات النجاح.

الهونداي فيرنا التي تعلمت فيها القيادة شبيهة بهذه

والحقيقة أنه زرع في نفسي الرهبة من امتحان القيادة.  معززًا الشائعات التي كنت أسمعها عن صعوبة الاختبار وأنه لا ينجح أحد في اجتيازه من المرة الأولى.

بعد عدد لا بأس به من الحصص، قرر المدرب أن الموعد قد حل لكي أجرب حظي في دخول الامتحان، وفعلا قام بإحالة أوراقي للمفت.. الممتحن وطلب مني الحضور للمدرسة قبل الامتحان بقليل.

مميزات مدرسة القيادة

ما لم أكن أعلمه أن المتقدم للامتحان يأخذ أوراقه بنفسه، يبدو أن هذه من مزايا مدرسة القيادة!
وبعد حصة مراجعة في المدرسة للقوانين اصطففنا لدخول الامتحان، القسم الأول كان حول الإشارات والقسم الثاني كان جولة بالسيارة. هذا بالنسبة لرخصة الدرجة الأولى.
أما رخصة الدرجة الثانية فلديهم جزء ميكانيكي من الاختبار يضاف للجزئين السابقين.

ورقة إشارات المرور العتيدة!

يوم الامتحان

دخلت القاعة لأجيب على أسئلة الإشارات وأنا أشعر بالرهبة، زاد هذه الرهبة العقيد الذي كان يسأل الممتحنين عن الإشارات بملامحه القاسية وقامته الهائلة والرتبة التي تصطف على كتفيه صارخة بالنفوذ. وبالطبع فقد فشلت في الإجابة وعدت أجر أذيال الخيبة.

كلاكيت ثاني مرة!

في المرة الثانية وصلت بالفعل للجولة! صعدت المركبة مع ثلاثة متقدمين للامتحان وعقيد بالمرور يجلس بالخلف، وممتحن يجلس في الأمام يوجه المتقدم ويربكه بالأسئلة أثناء القيادة.

جلس أحد الشباب قبلي -حيث كان ترتيبي اﻷخير- وبادره الممتحن بالسؤال: “بوك فلان؟” وهذا السؤال دلالة على أنه يعرف والده من مكان ما، وبالفعل كان من معارف والده وطلب منه أن يسلم عليه. وارتكب هذا الشاب خطئًا فادحًا وهو يقود حيث كان ينوي الانعطاف إلى اليسار فقاد بسرعة ودون أن يتوقف إلى الجانب الأيسر – بدل أن يتوقف في الوسط كما هو المفروض وينظر إلى اليمين واليسار (فيما يعرف بإعطاء الأسبقية في الاتجاه الواحد المتبادل) -. وتغاضى الممتحن عن ذلك الخطأ برشاقة ونجح الشاب في الامتحان!!

من المفترض أن تتوقف عند تغيير الإتجاه، أليس كذلك؟

دوري في القيادة!

وصل دوري فجلست وحاولت تشغيل المحرك كما هي العادة، ففاجئني صوته النشاز مدويًا: “السيارة والعة يا شاب، هذي أول غلطة و مازالت غلطة“. وأثناء الجولة انطفأ المحرك مني دون قصد في أحد المرتفعات فقال لي أنني رسبت وطلب مني أن أقود لمكان البداية. فذكرته بخطأ إبن “صديقه” الفادح فقال لي بعصبية: “أنا متع واسطات كان عاجبك، وبرا اشكي فيا” وهو يقود بطريقة جنونية حتى وصلنا إلى مكان البداية ثم صرخ في أن أنزل ورمى إلي بالفيلاروزا – وهي علامة على أنني فشلت في الاختبار – .

لم يوبخني مدربي حتى ..

الثالثة .. أبلة؟

في المرة الثالثة التي كانت بعد أسبوع كذلك – وذكرني مدربي بفضل المدرسة علينا وكيف أننا نمتحن كل أسبوع بينما الآخرون يمتحنون مرة كل شهر-.
جلست في قاعة الانتظار مع زملائي منتظرين موعد الاختبار، وقد لفت انتباههم درايتي الواسعة بمجريات الامتحان وفحواه فوجدت نفسي واقفًا على السبورة أشرح لهم الإشارات كما كان يفعل النقيب في الحصص النظرية.

دخل أحد أعضاء اللجنة مسرعًا وقاطع شرحي وطلب أن يأتي أحد الشباب معه. وتهامس الجميع أنه “عنده واسطة قوية وواصل في الدولة” وأنه الآن يتناول الفطور مع أعضاء اللجنة (حيث أن الامتحان لن يبدأ حتى يتناولوا فطورهم!).

أكل البريوش للفطور عادة من عادات أهل طرابلس

سريعًا جاء وقت امتحان الإشارات، ووقفت في الطابور أنتظر دوري وقد زالت عني رهبتي القديمة – بحكم الخبرة – وعندما هممت بالدخول استوقفني العقيد الذي امتحنني أول مرة قائلا: “راجي“.
فقلت له بتلقائية: “أه تبي الأبلة تخش قبلي؟” فقال لي: “تعال نبيك في كلمة”.

ماهو الشيء الذي قاله لي العقيد ذو القامة الهائلة والذي تركني منعقد اللسان؟! وهل تكون هذه المرة في الامتحان أحسن من سابقاتها؟

الحلقة القادمة تعد بالكثير من المفاجآت!!

شاركو هذه التدوينة على مواقع التواصل الإجتماعي وساعدوني على نشر المدونة 🙂