هذه سلسلة تدوينات بمناسبة أسبوع المرور العربي وفيها أحكي كيف تعلمت القيادة في ليبيا. في الجزء اﻷول توقفت عند أول حصة تدريب عملي وكيف أن المدرب يناقض كل التعليمات التي تلقيناها في حصة التدريب النظري بأسلوبه السوقي..
هذه القصة مبنية على أحداث حقيقية 100% وكل الشخصيات بها مستوحاة من شخصيات حقيقية لأنها كذلك!!

لقراءة الجزء اﻷول إضغط هنا. وللجزء الثاني إضغط هنا من فضلك والثالث من هنا كذلك والجزء الرابع هنا أيضَا وللجزء الخامس اضغط هنا.

التجربة اﻷولى ليست كما توقعت

سريعًا أتى دوري، وبعد أن حصل مني أجرة القيادة (عشرة دينار على الساعة الواحدة) طلب مني الانطلاق في طريق مفتوح تنطلق فيه السيارات بسرعة كبيرة (طريق قاعدة معيتيقة تحديدًا)، وهنا قلت له أنه لم يسبق لي قيادة سيارة من قبل. ليفغر فمه فيّ وهو يصيح بلهجته السوقية:

 “تي معقولة يا راجل؟ ولا مرة سايق سيارة؟ تي قداش عمرك؟ شي شي؟”

وعندما تأكد من جهلي التام بقيادة السيارات بدأت قريحته الشعرية بالظهور، وبدأ في الزفير والشخير وظهرت أمارات الضيق جلية على وجهه البدين. فأجبته بسؤال: “مش هذه مدرسة قيادة يا أستاذ؟” فقال بنفاذ صبر:

“إي إي مدرسة عارفينها، هاك تشبح في الجماعة كلها تسوق ولا يا ولاد؟ – طالبًا التعاطف من زملائي – هي توا نعلمك وحدة وحدة هي”.

 

 وبدأ يشير لأجزاء السيارة باللهجة الليبية بالطبع:

“هذا اللي عاليمين فرسيوني، واللي من غادي شراطوري، رص عليه رص هذا اللي فيه البنزينة، واللي في النص فرينو يشد السيارة تعرفه ولا؟”. – يقصد دواس البنزين والفرامل ومغير السرعات.

تحركت السيارة بعد جهد جهيد وعدة محاولات فاشلة، وكنت أشعر بالحيرة الشديدة والسيارة تتحرك لكثرة اﻷشياء التي يجب أن أراقبها وهذا البدين يصرخ في أذنيّ:

 “تي هيا ياراجل، معقولا؟ حتى البناويت يسوقو خير منك شن صارلك، شن تبي نرفعك للجولة غادي قدام المدرسة في القايلة والشمس على راسك؟ نهارك الأحرف كان تطيح الطربوش هكي خيرلك راه”.

 

هذا هو الطربوش الذي يقصده

 وسط ضحكات جذلة من رفاق الدرب، الذين سرهم أن يروا زميلهم المتفوق في الدراسات النظرية يعاني في التعليم العملي.
وهنا أوقف السيارة وطلب مني النزول غير أبه باعتراضي أن الساعة لم تنقضي بعد وأنه لا يزال لدي وقت متسع من الوقت للتعلم. فصفقت باب السيارة في وجهه وعدت أدراجي وأنا لا أرى أمامي من الغيظ..

التغيير

عدت مغضبًا لوالدي وحكيت له ما جرى بدون ترك أي تفصيل صغير، فلم يبدو عليه اهتمام بالمسألة. وفي اليوم التالي ذهب معي لإدارة المدرسة وتغير موقفه بنسبة 180 درجة. وطالب بغضب شديد باعتذار لي من “المدرب” وأن يتم تغييره فورًا، وأن يضمنوا لي ألا يلاحقني أو يسبب في عرقلة مسيرتي، ولدهشتي فقد تم تنفيذ مطالب والدي بالكامل ودون تأخير!! وكانت حجة المدرب أنني صفقت باب السيارة في وجهه ولم يذكر أنه أوقف السيارة في الطريق السريع وأنزلني من جهة السائق على الطريق!

المدرب الجديد

التقيت بالمدرب الجديد، والذي بدت الصرامة والصلابة بادية عليه. وشرحت له القصة باختصار فقال أنه مستعد للمساعدة. وفي الحقيقة فإنني أدين له بالفضل في تعليمي القيادة على أصولها. حيث أنه استطاع تطبيق القانون المروري على الطريق بشكل عملي، وليس بوضع “الخنفورة” كما تفضل مدربي السابق!

وأحمد له في هذا الموضع صبره على أخطائي العديدة وأخذ عملية التعلم من الصفر، وكذلك أحد المواقف التي لن أنساها ما حييت.

سيارة هوندا سيفيك حمراء شبابية وذات سمعة سيئة!

أثناء حصة تدريبية روتينية كنت أقود فيها السيارة أتت سيارة شبابية (هوندا سيفيك حمراء تحديدًا) بمحاذاتنا وفتح السائق النافذة وقال ضاحكًا بجذل: “بالله يا أستاذ درس عاليمين نبي نتعلم السواقة من جديد“، ففتح المدرب نافذته وصرخ فيه وأجبره على الابتعاد. وعندما لمح الضيق مرسومًا على وجهي لكز كتفي وقال لي:

 “هيه! ما تزعلش روحك على شوية مصيع ميستاهلوش. أنت تدير في الصح مش زيه تلقاه خانب سيارة أمه وطالع يسوق!!”.

وكانت تلك المرة الوحيدة التي لمحت فيها منه بعض التعاطف!!

انقطعت عن التدريب لحلول شهر رمضان المبارك، حيث أن الصوم و تعلم القيادة لم يبدوا كمزيج ملائم في شهر أغسطس الحار. الأمر الذي أغضب مدربي للغاية! كما أن دواس السيارة الصلب سبب لي آلمًا شديدَا في كاحلي وصعوبة في المشي!

مالذي حدث بعد ذلك؟ وهل انتظمت في تعلم القيادة بعد مضي شهر رمضان المبارك وشفاء كاحلي؟ هذا ما ستعرفونه في الحلقة القادمة بعون الله.

شاركو هذه التدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي وساعدوني على نشر المدونة 🙂