في الكثير من التدوينات سابقًا انتقدت مواقع التواصل الاجتماعي واﻷضرار التي تسببها: من تشتت اﻷسر، وإدمان الهواتف المحمولة والإنترنت، إلى المقارنات غير العادلة في اﻷرزاق والتعاسة التي تصيب الناس من مشاهدة ما ينشره الغير، وأخيرا هتك أستار البيوت وانتهاء مفهوم الخصوصية.
تدوينة اليوم عن ظاهرة “فيسبوكية” تختلف قليلًا عما سبق ذكره، لكنها تستحق وقفة عامة دون تخصيص أو أمثلة.
شحاذو الاهتمام
هي شخصيات إما أن تكون وهمية أو أن تكون واقعية لكن مبالغًا فيها. لا يهم جنس الشخص في هذه الحالة بل المهم هو المحتوى. تقوم هذه الحسابات بطرح قضايا جدلية بطرق مجتثة من سياقها وبطريقة مستفزة تدفع اﻵخرين للتفاعل معها إما بالسب والشتم، أو بالتأييد الغير محسوب.
ما نوع القضايا التي تطرحها هذه “الشخصيات”؟
حسب خصوصية المجتمع وظروفه، سأتحدث عن المجتمع الليبي لكوني أحد أفراده. تنحصر هذه القضايا التي يهوى هؤلاء (الشحاذون) اثارتها في أمور ثلاث:
1. المرآة ولباسها وزينتها وعلاقتها بالرجل وعملها، إلخ.
2. مواضيع دينية محسومة منذ قرون عديدة.
3. مواضيع عرقية ومناطقية تلعب على وتر الجهوية والقبلية.
مالهدف من إثارة هذه المواضيع؟
الفرقعة وإثارة شوشرة فقط لإثارة الجدل. تهييج الجماهير المكبوتة دون الوصول لحل أو نتيجة قطعية للجدال.
هذه الحسابات يديرها أشخاص يبحثون عن الشهرة السريعة بأي طريقة ممكنة. جمع المتابعين وحصد الإعجابات والمشاركات. وأي طريقة أسهل من إثارة الجدل وفتح مواضيع لا تسمن ولا تغني من جوع؟
قيمة اللايك
بعض الناس يقيس قيمته بعدد “اللايكات” التي يضعها المتابعون على صوره ومنشوراته. لمست هذا جليًا لدى طلابي في المرحلة الإعدادية وكم أزعجني أنهم يتنافسون على من يحصل على إعجابات أكثر على صوره ومناشيره. ويجعلها مقياسًا للجدارة والكفاءة. بل يشعرون بعدم تقبل زملائهم لهم في حالة عدم الحصول على إعجابات كافية ويصابون بالاكتئاب!
هناك مثل أكرره دائما أن مشهور وسائل التواصل هو مليونير في لعبة بنك الحظ. أي أن ثروته كلها بلا قيمة تذكر طالما ليس شخصًا ذا تأثير أو نفوذ في العالم الحقيقي.
المال
بعض الصفحات صنعت لنفسها الشهرة من خلال إثارة مواضيع جدلية وخلق قاعدة جماهيرية تتغذى على كل ما هو غريب ومخالف للسائد. ثم بدأت في دس الاعلانات وتلقي مبالغ محترمة في مقابل الإعلان الواحد. مع جرعة “التريند” والموجة السائدة من حين لآخر. حتى وإن كانت على حساب سمعة، وكرامة، وشرف الناس الذين تتصدر صورهم وقصصهم الصفحات دون إذنهم في اﻷغلب.
نفس الصفحات الكبيرة لا تبذل أي مجهود للتوعية ضد الظواهر السلبية مثل إلقاء القمامة أينما اتفق، أو القيادة المجنونة الرعناء، ولا حتى تبذل مجهودًا للمصالحة وحقن الدماء. فقط جدل وإعلانات..
كيف تتعامل مع شحاذي الاهتمام؟
عندما ترى محتوى جدلي مطروح بطريقة مستفزة وعليه العديد من الردود الشاتمة. عليك بالخطوات اﻷتية:
1. لا تعطه ما يريد. كل ما يريده هو تفاعلك وتعليقك، لذلك لا تعطه له.
2. تجاهل المنشور تماما. هذا كفيل بدفن المنشورات الجدلية. خوارزمية هذه المواقع تجلب لك محتوى مشابه للمحتوى الذي تتفاعل معه غالبًا. لذلك اكسر السلسة وابتعد!
3. في حالة أن المنشور فيه تهديد أو إساءة أو دعوة للعنف. قم بالتبليغ عنه فورًا ودون تردد.
4. كتم الصفحات المشابهة وضغط زر الحظر عندما يزيد الأمر عن حده. موقع (تويتر) مثلا يوفر خاصية لكتم (mute) للكلمات والحسابات بحيث لا تظهر لك في خط الزمن ولا في الإشعارات.
ختامًا
بتعاملك مع هذه المنشورات والدعوات المشبوهة التي لا يعرف غالبا من ورائها وما هي أهدافهم. فأنت تصبح مطية لأغراضهم ووسيلة من وسائل الوصول إليها، دون أن تدري غالبًا! لا تشارك في خطاب التحريض على الكراهية.
بإمكانك المشاركة في هذه الجدالات البيزنطية مرات عدة. لكنك سوف تلاحظ أن اﻷمر يستنفذ طاقتك بشكل كبير دون تحقيق أي نتيجة تذكر.
هل تعاملت مع مثل هذه المنشورات مؤخرًا؟ هل وجدت نفسك محاطًا بكم من المنشورات الجدلية السامة التي لا طائل منها؟ شاركني بتجربتك في قسم التعليقات.
تعقيب بسيط: مصطلح (شحاذو الاهتمام) هو ترجمة غير حرفية للفظ الانجليزي(Attention whores) وهو يعني حرفيًا الشخصيات التي تستجدي الاهتمام ومستعدة لفعل أي شيء من أجله..