زرع والداي (حفظهما الله) شجرة زيتون عام 2008، إبان العدوان الصهيوني الغاشم على غزة. وفي تلك الأونة وتيمنًا بغزة، وصمود غزة الأسطوري، إختارت لها أمي اسم غزة. وظلت تلك الشجرة من فصيلة الزيتون المعمر موجودة في حديقتنا، ولم نرى لها طرحًا إلا في السنوات الأخيرة.
جني زيتون غزة العزة
لذلك هذا العام، قررنا حصاد هذه الشجرة، وأخذها إلى معصرة زيتون في مدينة (غريان)، ذلك أن هذه المعصرة من أفضل المعاصر في ليبيا، وتحصل أصحابها باسم (ليبيا) على جوائز عالمية في مسابقات دولية في اليابان، وسويسرا. وهي معصرة أبناء الحاج عمران محمد الأجنف.
كذلك هم لا يمانعون في عصر كميات صغيرة نسبيًا من الزيتون، حيث أن لدينا شجرتين فحسب، غزة، وشجرة أخرى لا اسم لها. تنتج زيتونًا أخضر، عكس زيتون غزة أسود اللون.
المرحلة الأولى:”سلب” أو قطاف الزيتون
يجب أن يتم قطاف الزيتون من على شجرته قبل هطول الأمطار، فهي تسرع في فساد الثمرة. (لسوء الحظ تأخرت أمطار الخريف كثيرًا، وصلينا الاستسقاء، وننتظر الغيث النافع). لذلك قمنا بحصاد الشجرة، ونسميه في ليبيا (السلب)، ويعني إسقاط الثمار من شجرتها على الأرض.
هناك طرق أخرى للسلب، منها السلب الآلي، أي أن هناك آلات تهز جذع الشجرة لتتساقط الثمار إلى كيس مخصص للجمع.
وهناك السلب الكيماوي، ويعتمد على رش مواد تساعد على سقوط الثمار من الأغصان دون مجهود.
لكن نحن استخدمنا الطريقة التي استخدمها أجدادنا من قبلنا، وهي السلب اليدوي.
نقوم بوضع أكياس نايلون على الأرض لتتلقى الشتلات والثمار. للأسف ليس لدي صور لهذه المرحلة من القطاف.
الفرق ما بين الزيتون البعلي، والزيتون المروي
زيتوننا يعتبر زيتونًا مرويًا. فنحن نقوم بسقيه مع باقي الأشجار، وليس مثل زيتون الجبل الغربي، زيتون بعلي. أي أنه يعتمد على هطول الأمطار لسقايته. وعلاقة المياه بالزيتون علاقة طردية، فكلما زاد المطر زاد الزيت من الزيتون.
المرحلة الثانية: “سرب” الزيتون
سرب الزيتون في هذه المرحلة يتم تصفية ثمار الزيتون من الشوائب الناتجة من العملية الأولى، مثل شتول الشجرة، والأغصان المتساقطة، وأوراق الأشجار الأخرى، وثمار الزيتون المتعفنة، (عفن الزيتون لونه أبيض وليس مثل الأعفان الأخرى).
نقوم بهذه العملية يدويًا للحفاظ على نقاء المحصول، وتقليل نسبة الشوائب لأقل حد ممكن.
وهنا روى لي والداي ذكرياتهما مع سرب الزيتون وتنقيته. حيث أن أخذ الزيتون للبيت كان رفاهية مقارنة بسربه في الحقل، فالطقس شديد البرودة في الشتاء، وساعات العمل محدودة بطول النهار، ولغياب الكهرباء في البيوت، يجب عليك إنهاء العمل قبل غروب الشمس، وانحدارها نحو المغيب.
زيتون مخلل (ليس لعصر الزيت)
قمنا بأخذ بعض الثمار الخضراء، وتخليلها لتناولها مع السلطة، أي أنها لن تتحول إلى زيت.
قمت بتصوير الزيتون يوم وضعه في البرطمانات، وأيضًا بعد فترة من ذلك لتسجيل تغير اللون.
تكييس الزيتون ونقله الى المعصرة
المرحلة الثالثة تكون بتكييس الزيتون تمهيدًا لنقله للمعصرة. وقمنا بخلط الزيتون جيدًا لتمتزج حبوب الزيتون الأخضر، مع الزيتون الأسود الصغير. وسارعنا في نقله إلى المعصرة كي لا يتعفن ويتلف. فبمجرد قطف الثمار من الشجرة، يبدأ العد العكسي للفساد.
نقلنا الزيتون في كيس مخصص للدقيق إلى المعصرة أعلى جبل غريان، وهناك قام صاحب المعصرة بوزن الزيتون، وقدر أن وزنه مرطة ونصف المرطة تقريبًا (المرطة هي وحدة لقياس الأوزان الفلاحية، كالقمح، والشعير. وتساوي 14 كيلو جرامًا)، وسجل بياناتي في سجل المعصرة، وقلت له أنني سأعود بعد أسبوع. وتركت له مع الزيتون قارورة بلاستيكية لوضع الزيت الناتج من عملية العصر.
مراحل عصر الزيتون، وبعض المصطلحات
أثناء تواجدي بالمعصرة التقطت بعض الصور للآلات المستخدمة في عملية العصر، حيث أن كل المعاصر الآن معاصر آلية، ولم يعد أحد يستخدم طريقة الحوض الرخامي، والحجر الكبير المخصص لطحن الحبوب، المعروفة لدينا (بالقرقابة). فالحجر يروح جيئة وذهابًا، وأثناء فعل ذلك يقوم بطحن الزيتون، واستخراج الزيت منه.
تبدأ العملية بغسل الزيتون للتخلص من الشوائب والتراب المتبقي من عملية السرب.
ثم يتم طحن الزيتون بواسطة آلات متخصصة في طحن واستخراج الزيت من الثمار.
ثم بعد ذلك، يتم وضع الزيتون في إناء آخر فيه الماء. ليطفو الزيت فوق سطحه، ويظل الماء أسفله. وهذا الماء يعرف باسم (المرجين)، وهو ماء سام لا يصلح للري، وينبغي التخلص منه مثل مخلفات الصرف الصحي.
الفتورة أو الفاتورة
الراسب المتبقي في قعر الحوض يعرف باسم (الفتورة) أو (الفاتورة)، وهي بقايا الزيتون الصلبة الناتجة عن عملية العصر، والتي تترسب تحت المرجين. وهي سماد عضوي فعال يستخدم للزراعة، ويمكن استخدامها لاشعال النيران، فهي غنية جدًا بالطاقة، وبالأخص في المخابز القديمة التي تستخدم الديزل، أو المازوت.
الخبز الناتج عن عملية حرق الفاتورة له طعم مميز، وغني، وهو أفضل من الخبز الذي نتناوله اليوم.
كما يستخدم في صناعة الصابون، ومواد التجميل.
الحصاد الثمين
ذهبت للمعصرة اليوم لاستلام الزيت، ودفعت ثمن عملية العصر نقدًا. فهناك عدة خيارات عندما تذهب للمعصرة، يمكنك بيع الزيت مباشرة لهم، ويمكنك إعطاءهم نسبة من الزيت في مقابل عصره، ويمكنك أن تدفع نقدًا، كما فعلت أنا.
زيت الزيتون البكر أخضر اللون ذو رائحة طيبة. هنا تجد صورة له.
نتج عن ال 21.8 كجم التي أخذناها للمعصرة، 4 لترات من زيت الزيتون. فزيتوننا تم عصره مع الزيتون الذي دخل المعصرة في ذلك اليوم، وهي كمية جيدة، وحصاد طيب، مقارنة بما كنا سنجنيه لو أخذناه لأغلب المعاصر، التي ستأخذ منك الزيتون، وتعطيك لترًا أو لترين من الزيت في مقابله.
الشجرة المباركة كما ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم
خوض هذه العملية عرفني على تقاليد كثيرة من التقاليد المرتبطة بزيت الزيتون، لا يزال يحافظ عليها من يمتلك مزارع فيها أشجار الزيتون، ولا يزال والداي يذكرانها بكل حنين، حيث أن كلاهما تربى في مدينة تحيط بها أشجار الزيتون من كل مكان. وصدق الله العلي العظيم حين قال في محكم التنزيل:
﴿ ۞ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
وأقسم بالزيتون في سورة التين
﴿وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ وَطُورِ سِينِينَ ﴾
. صدق الله العظيم.
دليلًا على بركة هذه الشجرة، وطيب أصلها. ويجب علينا الاهتمام بهذه الشجرة، والاستفادة من خيراتها.
في الختام
هذه كانت تدوينة موسم الزيتون، وحصاد غزة الشجرة الطيبة الصامدة.
ماذا عنك عزيزي القارئ، هل سبق لك جني ثمار الزيتون؟ هل تحب زيت الزيتون؟
شاركني بذلك في قسم التعليقات، وشكرًا لك على القراءة، ودوام المتابعة.