الوجود القومي الليبي مهدد بالضياع، أن تذوب ليبيا وسط الدول المحيطة بها وينتهي وجودها كليا كما حدث للدولة الكردية، الكثير من العوامل تهدد بهذا المصير المظلم، واﻷحداث الحالية سرعت من وتيرة الانزلاق نحو التيه.
هذه التدوينة تمثل أرائي الشخصية المبنية على إحصائيات مأخوذة عن البنك الدولي.
النمو السكاني الضعيف
في دراسة نشرت قبل أحداث السابع عشر من فبراير حذرت من النمو السكاني الضعيف لليبيين مقارنة بدول الجوار، وحسب البيانات الإحصائية سيكون عدد الليبيين قليلًا جدًا مقارنة بدول الجوار في سنة 2030، ما يهدد بطوفان من المهاجرين من دول الجوار بحثًا عن المسكن بحجة أن عدد الليبيين قليل جدًا ويمكن تشارك اﻷرض.
معدل النمو السكاني 0.8% هو نصف معدل نمو السكان في جمهورية مصر العربية مثلا الذي يبلغ 1.6%، ويقل عن الجارة تونس التي يبلغ معدل النمو فيها 1% طبقًا لإحصاء سنة 2013 الذي يجريه البنك الدولي.
معدل النمو السكاني
كما يلاحظ أن معدلات النمو السكاني انخفضت بشكل مروع منذ عام 1973 من ذروتها آنذاك بنسبة 4.37% واستمرت بالتناقص حتى عام 2003 حيث وصلت 1.66% (وبعد ارتفاع طفيف في سنة 2007) تصل إلى أدنى مستوياتها في سنة 2013 ليصل إلى 0.28%!! ليتعافى قليلا في عام 2014 بنسبة 1.11% ويمكن الإطلاع على هذه الإحصائيات بكل سهولة من معلومات غوغل العامة.
مع محاولة ليبيا الحيلولة من زحف المهاجرين كما يبدو بعدم منح الجنسية للمولودين بها، ولا لأبناء الليبية المتزوجة من أجنبي، إلا أن هذه المحاولات غير ناجعة، مع طوفان الهجرة الغير شرعية القادم من الجنوب والذي يهدد بكارثة إنسانية، خاصة إن تم توطين هذه الملايين من المهاجرين وإعادتهم من أوروبا إلى ليبيا كما تهدف إحدى المشاريع الطموحة، في مخالفة صريحة لقوانين اللجوء وحقوق الإنسان، حيث لا يجوز إرجاع اللاجئ إلى البلاد التي قدم منها حيث يواجه الموت، لكن هذا ما يحدث!
العادات الليبية والنمو السكاني
من الطبيعي بمكان أن يكون النمو السكاني نتيجة فورية للزواج والإنجاب، اﻷسرة هي نواة المجتمع ووحدة بناءه اﻷساسية، وباﻷخص في مجتمع إسلامي محافظ يقدس الشرف والعفة، فما سبب الانحدار الهائل في مستوى النمو السكاني الليبي؟ خاصة أن الشعب الليبي تعرض لمحاولة إبادة على يد المستعمر الإيطالي، فالمتوقع أن يغرز الليبيون في أبنائهم ثقافة الإنجاب وزيادة العدد حتى يعوض العدد الهائل من الليبيين الذين تم التنكيل بهم من قبل الإيطاليين، ووصل عددهم تقريبًا إلى نصف تعداد الشعب آنذاك، لكن العكس هو الصحيح فيما يبدو.
الصورة تمثل نمو الشعب الليبي خلال أربع عقود مقارنة بسوريا والعراق، الخط اﻷحمر هو ليبيا! |
اﻷفراح الليبية
وأعني بذلك الثقافة السائدة في المباهاة بارتفاع تكلفة المهر وتعدد الشروط والطلبات التي تطلبها الأسرة من العريس الذي يتقدم لخطبة ابنتها، والمبالغة في مقدم الصداق ومؤخر الصداق وتثمينه بالذهب ليتجاوز مئات الإلاف من الدينارات لدى بعض اﻷسر(مهر الليبية حق حوازة)، وطلب الهدايا الفاخرة، وتحمل تكاليف حفلات الزفاف الماراثونية التي قد تستمر لأسابيع عند بعض العائلات (ويعد هذا الإسراف فخرًا لدى الكثير من الليبيين)، بل إنها مستعدة للاستدانة وبيع ما تملك في سبيل الوجاهة والمنظر أمام الجيران واﻷقارب، حتى لو عنى ذلك أن يجوعوا لشهور!
ويحضرني هنا اقتباس الكاتب الليبي الصادق النيهوم عن اﻷعراس الليبية حين قال أنها ذروة التفاخر الاجتماعي وفيها تبرز اﻷية الكريمة (أنا أكثر منك مالًا وأعز نفرًأ).
تكاليف حفلات الزفاف
تكاليف صالات اﻷفراح تتعدى بضعة ألاف في الليلة الواحدة (مرتب خريج البكالوريس الليبي 800 دينار شهريًا) والزمزامات (المغنيات الشعبيات) وتصل هذه إلى بضعة ألاف حسب شهرة الفرقة وذياع صيتها واﻷلعاب النارية واﻷسلحة الثقيلة! (أيضًا تتكلف بضع ألاف) هذا غير تكاليف أثواب الزفاف وصالونات التجميل (أيضا بضع ألاف)، وقناطير الحلويات واﻷكل والشرب والعصائر والمشروبات والفواكه (على حسب حجم الزفاف ومدته). وللأسف يلقى أغلب هذا الطعام في القمامة ولا يؤكل، مجرد منظر للفخفخة والتباهي أمام الناس.
كل هذا ساهم (من وجهة نظري الشخصية) لارتفاع نسبة العنوسة في ليبيا وبالتالي انخفاض النمو السكاني.
هذا العامل قد لا يكون الوحيد لكنه عامل حيوي، بالنظر إلى تركيبة ليبيا القبلية والعادات المتبعة بها، يصير اﻷمر واضحًا ولا شك فيه، إن النمط لا يكذب ويوضح تناقصًا كبيرا في نمو الشعب الليبي منذ ستينيات القرن الماضي. ومقارنة بمصر وتونس والجزائر، وبالنظر إلى مساحة ليبيا الشاسعة فإن النسبة كبيرة جدًا بين المساحة وعدد السكان، بتقسيم مساحة ليبيا على عدد سكانها يحصل كل مواطن على 3.42 كيلو متر مربع له وحده!
أزمة الإسكان تستحق تدوينة خاصة بها وسأقوم بربطها هنا بمجرد أن أجهزها.
ماذا يحدث عندما نضيف لهذه العادات والتقاليد، الانفلات اﻷمني وانتشار السلاح؟
ليبيا بعد السابع عشر من فبراير
هذه الظواهر السلبية لا تزال حاضرة بعد أحداث السابع عشر من فبراير، نفس الظواهر التي ساهمت في تقليل عدد الليبيين إلى حد كبير، فما بالك بعد أن صار الشعب شعبًا مسلحًا وامتلك سلاحه (بعد أن ضاعت السلطة والثروة) وصار يفني بعضه بعضًا بشتى أنواع اﻷسلحة في حرب همجية لم ترحم أحدًا، ويوميًا ننعى عشرات القتلى من الشباب الذين هم مستقبل البلاد وأمل نهضتها.
الحوادث المرورية
كما أن الحوادث المرورية تحصد أرواح القتلى بفاعلية كما كانت تفعل قبل الحرب (بلغ عدد ضحايا الحوادث في هذه السنة قبل أن تكتمل قرابة اﻷلف شخص!)، وعدد القتلى والمخطوفين والمغيبين قسريًا والمهاجرين في تزايد مستمر، بل إن عدد المفقودين في ليبيا منذ سنة 2011 بلغ خمسة ألاف نسمة حسب إحصائية تقريبية لوزارة الشهداء والجرحى والمفقودين، وهو تقريبًا عدد الحجاج الذين يذهبون لأداء الفريضة كل سنة! أي واحد من كل ألف ليبي مفقود! هذا يهدد بتفريغ ليبيا من سكانها بسرعة فائقة.
اﻷزمة الاقتصادية الراهنة
والآن في ظل أزمة اقتصادية خانقة لم تشهد ليبيا مثيلًا منذ الحصار، يجد الليبيون مشقة في توفير الاحتياجات اليومية في ظل نقص في الإمدادات والأغذية واﻷدوية والتطعيمات، ولم يغير الليبيون من مطالبهم وعاداتهم شيئًا، وهل يمكن لهم التخلي عن موروث العاهات والتقاليد الذي ما أنزل الله به من سلطان؟ (المهر من شروط الزواج لكنه لم يشرط كيلو جرام من الذهب وجملًا!!) بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المغالاة في المهور، فأين بلد المليون حافظ من إتباع سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟
ماهي الحلول التي يمكن اتخاذها لمواجهة هذا الانقراض السريع؟
قبل أن يفوت اﻷوان وتختفي ليبيا بصورتها الحالية من على وجه الخريطة، ينبغي علينا أن ننقذ ما يمكن إنقاذه وأن نسارع بحل هذه اﻷزمة:
- إيقاف كل مظاهر العنف وإطلاق مصالحة وطنية لا تستثني أحدًا من الليبيين.
- إرجاع المهجرين وتوطينهم.
- وضع ميثاق اجتماعي نافذ يحدد بوضوح تكاليف الزفاف والمهور بما يتناسب مع الحالة الاقتصادية ومعاقبة المخالفين والتضييق عليهم.
- تقديم مساعدة حكومية للراغبين في الزواج (المساعدة الحالية قليلة جدَا ومقننة ولا تشمل المتعددين).
- البدء في بناء مساكن وإغراق السوق بالعقارات ما يساهم في تخفيض اﻷسعار، مع إدخالها في مخططات المدن والبلديات وإيصال الخدمات إليها، مع جباية ضرائب الخدمات منها (المياه والكهرباء وغيرها)، واستكمال المشاريع التي لم تكتمل منذ سنة 2011 بعد تسوية أوضاعها بشكل كلي.
- الإكثار من حفلات الزواج الجماعية لما فيها من توفير للتكاليف وإشاعة للبهجة والسرور.
- التشجيع على الإنجاب وجعل منحة للأطفال شهرية تشجع اﻷهالي على الإنجاب وزيادة النسل.
- تجنيس أبناء الليبيات أسوة بباقي الليبيين والنظر في تجنيس المواليد والمقيمين بشرط حسن السيرة والسلوك والإضافة إلى المجتمع الليبي ودفع كافة الضرائب والمساهمة في رفعة هذا الوطن.
- تفعيل قانون المرور وزرع الهيبة من رجل المرور في نفوس المواطنين وتشديد العقوبات على المخالفين.
- واﻷهم تغيير العقلية الليبية وغرس الوعي، نفس العقلية التي تبيح الرشوة والسرقة والغصب، وتمتهن من يقلل مهر ابنته أو يتزوج أكثر من مرة، وتعشق الفخفخة والإسراف، هذه العقلية البالية ستؤدي بنا إلى الانقراض لا محالة!
والآن ما رأيك عزيزي القارئ فيم قرأت؟ هل تتفق معي أم تختلف؟ ومالذي يمكن عمله لإنقاذ ليبيا وشعبها قبل فوات اﻷوان؟
شارك هذه التدوينة على وسائل التواصل الاجتماعي لتصل لأوسع مدى.