صورة لمحطة الركاب أمام أبراج ذات العماد |
أنا والإيفيكو
بدأت رحلتي مع الإيفيكوات مع أول فصل لي في المعهد العالي، وهي رحلة طويلة وشاقة مليئة بالدروس واﻵلام واﻷحلام، تخللتها جلسات طويلة بإنتظار الإيفيكو حتى يصل، أو الجلوس بفارغ الصبر منتظرا لحظة الوصول للمحطة ويدي تحتضن الربع دينار حتى أعطيه له فور وصولي ولا أضيع الوقت وأنا أفتش في جيوبي!
كذلك عندما تتعطل السيارة (وهذا يحدث من حين لأخر) أجد نفسي مضطرا لركوب الإيفيكو للذهاب إلى المصرف مثلا، أو للقيام ببعض المهمات الضرورية.
من يستخدم الإيفيكو؟
- شريحة واسعة من الموظفين الحكوميين وموظفي القطاع الخاص.
- الطلبة الجامعيون وطلبة الثانوية وحتى طلبة المدارس الصغار.
- مواطنون لا يمتلكون وسيلة نقل خاصة.
تجربة ركوب الإيفيكو
تختلف التجربة من سيارة لأخرى، فبعضها بحالة جيدة واﻷخر متهالك كأنه خرج للتو من ساحة حرب أهلية، وبينما يحب بعض السائقين تزيين سياراتهم بشعارات الفرق الرياضية التي يحبونها، يفضل اﻷخر موضوعا شعبيا كقماش الخيمة وبعض الجمال من القماش وحلي الفضة.
صفوف الكراسي داخل الإيفيكو، مصدر الصورة السوق المفتوح |
هذا الباص بالذات لفت نظر سائحة أخذت تلتقط بعض الصور بكاميرا بولورويد بينما نهرها مرافقها الليبي ومنعها من التصوير – يبدو أنها لم ترى شيئًا كهذا من قبل في بلادها!
بعض المصنوعات الشعبية داخل الإيفيكو مصدر الصورة السوق المفتوح |
وقليل جدا من الإيفيكوات يحتوى على تكييف، وهذا بالذات يسر المرء الركوب معه في فصل الصيف الملتهب!
لغة الإشارة؟
إشارات اليد التي يستخدمها السائقون للتواصل مع المشاة لتحديد اتجاههم تشبه لغة الصم البكم، وهي شيء استغرق مني وقتا طويلا لفهمه ومعرفة كيفية استخدامه!
الموسيقى الشعبية الصاخبة
لدى الكثير من السائقين ذوق – وأستخدم هذه الكلمة مجازا – مزعج في اختيار موسيقى السيارة، يميل الكثير منهم لفتح لأغاني “الراي” الجزائرية أو المغربية (صدقا لا أعرف) في السيارة، والبعض منهم يفضل أعمال فنانين محليين لا يحضرني اسم أي منهم، ولكنني أتذكر أنهم يشكرون كل من قام بفعل أي شيء في المونتاج، حتى ولو أتاهم بكوب ماء! نوع من الترويج الذاتي على ما أعتقد؟
ويجب أن يكون الصوت مرتفعا جدا حتى تحس بموجات الصوت تصدم حجابك الحاجز ومعدتك، وإلا لن يكون اﻷمر مجديًا.
أجد أن صوت هدير محرك الديزل أحيانا يبعث على الإسترخاء، هل تتفق معي؟
منظور مختلف عن الطريق بحكم ارتفاع السيارة
يعطيك ركوب الإيفيكو شعورا مختلفا، فهي سيارة عالية فوق كل المركبات الصغيرة، ويمكنك إن كنت من النوع المتطفل النظر من النافذة ومحاولة استنتاج ما يحدث في السيارات من حولك، هذا إن لم تكن تستغل أوقات الانتظار بالقراءة أو النوم!
شخصيات السائقين
بعضهم ودود ويعامل الركاب بشكل جيد، والبعض اﻷخر لا يتحدث مطلقا ويترك للبوليت – كلمة من أصل إيطالي وتعني محصل التذاكر – مهمة الحديث مع الركاب وتحصيل الأجرة منهم، وعادة ما يكون هناك مع السائق ثلاثة أو أربعة أشخاص يشكلون جلسة مغلقة من الحوارات المبهمة أثناء المشوار.
وبعضهم فظ ولا يطيق أحد التعامل معه، الموضوع نسبي.
وأحيانا يخطر للسائق التوقف لشراء القهوة أو الماء أو السجائر، دون مراعاة للعشرين راكبا الذين تكتظ بهم السيارة،
إرتباك الربع دينار
في سنة 2010 تم سحب الربع دينار الورقي من التداول وإستبداله بالنحاسي، ما سبب أزمة للسائقين وعدم معرفة العملة الصحيحة التي يجب إستعمالها، وأنا نفسي تعرضت لبعض المواقف المربكة التي كان يمكن تفاديها بسؤال بسيط!
رفضه التحرك إلا وهو كامل العدد
لأن الإيفيكو مركبة شعبية لن يتحرك السائق حتى تمتلأ كل الكراسي بالناس، وهذا لا يمنعه من النداء على الركاب كاذبا أنه ينقصه شخص واحد لكي يتحرك، حتى ولو كانت خاوية. بل إن بعضهم لا يتحرك حتى يملأ مساحة الممر بالركاب الواقفين، وقد يشفق على أحدهم ويسمح له بمشاركته كرسي السائق جلوسًا بشكل مائل، إنها أمور عجيبة تحدث وتخالف كل قوانين اﻷمن والسلامة، لكن هذا ما يحدث بشكل يومي هنا.
إيتيكيت الإيفيكو
في العادة يترك الركاب أماكنهم للنساء، والمرضى، والعجائز، وهي عادة ما تكون لفتة شهامة لطيفة جدًا.
أيضا ترك النساء يجلسن مع بعض أو في الكراسي المنفردة دون مضايقة، مع ترك الكرسي الخلفي للرجال أغلب الوقت.
فتح الباب مهارة لا يقتنها الكثيرون 🙂
القيادة بجوار الإيفيكو
إن كنت تقود سيارتك الخاصة على خط إيفيكو، فعليك الحذر! فالإيفيكو يتوقف في أي مكان بدون إنذار مسبق، وأيضا لا يلتزم بحدود السرعة القانونية. ومعظم هذه المركبات متهالكة وفراملها لا تعمل كما يجب، لذلك خذ حذرك! لدي صديق صدم سيارته سائق إيفيكو أرعن في جزيرة دوران (وهو يقود عكس الاتجاه) وحول سيارته إلى قطعة من الخردة!!
تسعيرة الإيفيكو
لسنوات طويلة كانت تسعيرة الإيفيكو داخل مدينة طرابلس ربع دينار، ثم زادت في أحداث 2011 بعد إنقطاع إمدادات البنزين إلى خمسين قرشًا، ثم قفزت مرة أخرى في عام 2015 إلى دينار. مع ملاحظة أن التسعيرة تكون مضاعفة بعد غروب الشمس. ورغم هذه الزيادة التصاعدية إلا أن سعر لتر وقود الديزل لا يزال ثابتا عند عشرة قروش للتر الواحد! هذا الثبات طبعا لا يشمل باقي تكاليف الحياة، خاصة زيوت التشحيم وقطع الغيار.
تحسينات مقترحة حول الإيفيكو
دعم السائقين وتأهيلهم
- الكثير من السائقين لا يعرف قواعد المرور ولا التوقف السليم، ولم يفكر احد في تأهيلهم أو تعليمهم الطريقة الصحيحة للقيادة، ربما ببعض المجهود من الممكن تحويل هذه المجموعة الفوضوية إلى ناس منتجة ونافعة للمجتمع.
- طرحهم خارج الخدمة سيحيل شريحة من الناس إلى البطالة، وبالتالي للجريمة والفقر.
توسيع الخطوط لتشمل الضواحي
- ضواحي العاصمة مثل (مشروع الهضبة – السراج – خلة الفرجان – بير اﻷسطى ميلاد – عين زارة – وادي الربيع)، حيث أن الإيفيكو يتحرك داخل المدينة وبعض الخطوط خارجها مثل تاجوراء مثلا.
- التأكيد على وجود قطاع مواصلات عامة قبل رفع دعم المحروقات، وهذه نقطة هامة جدا، فليبيا بشكل عام وطرابلس بشكل خاص ليس بها أي وسائل نقل عام: لا حافلات عمومية، ولا قطارات، ولا مترو أنفاق..
مواقف عجيبة شهدتها في الإيفيكو
رغم أن المشاوير تكاد تبدو متشابهة في ذاكرتي، إلا أن بعضها يبرز لسبب ما أو لأخر.
- على سبيل المثال قصة السائحة التي تلتقط الصور التذكارية لمركبة العجائب هذه وردة فعل مرافقها العدوانية.
- المشاجرة اللفظية بين رجل وامرأة بسبب سوء تفاهم، انتهى بطلب الرجل منها النزول ليتعاركا في الشارع، لكنه ذهب للمخبز ليشتري الخبز ولم يعد!
- والشاب ذي الجبيرة الذي افتعل معركة مع شرطي ثم نزلا وفر هاربا بعد أن هم الشرطي بسحب مسدسه، ليتضح أن جبيرته مزيفة وأنه مجنون!
- والشاب البدين الذي وقع في حضني وسحق ضلوعي بسبب توقف السيارة المفاجئ.
- كما أتذكر الرجل من لبنان الشقيقة الذي لم يسبق له ركوب الإيفيكو واحتاج مساعدة في دفع اﻷجرة.
- كما حدث أن سائقا طلبت منه بعض السيدات إيصالهن لحفل عرس كتوصيلة خاصة، فقام برمينا كلنا في الشارع طمعا في التوصيلة المخصوصة!! اﻷمر سبب لي انزعاجا لأنه كان لدي إمتحان نصفي في ذلك اليوم، لكنني تمكنت من الوصول في الموعد!
مشاعر متناقضة حول القضية
- لو سألتني عن رأيي فأنا لا أحب الإيفيكوات، ولكن لكي أكون صادقا فركوب الإيفيكو أريح من دخول الزحام بسيارتي الخاصة أحيانا، كما أنه يوفر علي القلق من سرقة السيارة أو صدم أحدهم لها.
- كما لا يفوتني تقدير رفاهية أن يقود أحدهم بك السيارة إلى المنزل بعد يوم عمل طويل وشاق!
في الختام
تحول الإيفيكوات بديكوراتها وفوضاها وموسيقى الريقي الصاخبة إلى ثقافة Sub-culture ومعلم من معالم طرابلس، وحتى توفر بديل ملائم فهي لن تذهب إلى أي مكان!
ما رأيك أنت عزيزي القارئ؟ هل لك تجارب في ركوب الإيفيكو تحب مشاركتها هنا؟ شاركني بها في قسم التعليقات.
تعديل: شاركتني القارئة “مريوحة” بتجربتها في ركوب الإيفيكو، تجربة ثرية جدا.