هذه الكلمة ولفترة طويلة (تطل برأسها من حين لأخر) مثلت عائقًا أمام مسيرتي الوظيفية والأكاديمية.. ما معنى هذا الطلسم وكيف يمكن أن يؤثر على حياة إنسان؟
هذه الكلمة تعني مضخة الوقود أو طلمبة الوقود في ليبيا. ومن المفترض أنها كلمة إيطالية.. لكن عند البحث في معجم قوقل لم أجد لها أثرًا.. المصطلح الإيطالي هو pompa de benzina
بعد أن أصلنّا الموضوع، فلننتقل للتفاصيل..
سبتمبر 2014
هذا الجزء حدث عقب حرب فجر ليبيا مباشرة. وكنت قد باشرت عملي للتو بمركز القناة للخدمات الإعلامية والتدريب – لماذا كل الأشياء الرائعة بحياتي تبدأ من ذلك المكان؟ – ..
أذكر بوضوح أزمة وقود خانقة .. طوابير طالت لكيلومترات أمام محطات الوقود. وكانت سيارتي قاب قوسين أو أدنى من نفاد الوقود بها.. أخبرت بذلك صاحب المركز الفاتق الناطق حلال المشاكل وقاهر الفرس والروم والسلاجقة. فما كان منه إلا أن شبك يديه شبكة العارف ببواطن الأمور وقال أنه يعرف مكانًا بالقرب من المركز يقوم بتعبئة خزان الوقود بالسيارة بالكامل بعشرة جنيهات (هذا يزيد بقليل عما أدفعه لملء الخزان فعلًا). ذهب معي ونادى على حارس العمارات الساذج وقام بتوصيته علينا ليدخلنا أنا وشخص أخر بعيدًا عن زحمة الطوابير..
قمنا بتعبئة خزان الوقود دون مشكلة وتابعت عملي وعدت للمنزل دون حادث يذكر.. لكن في صباح اليوم التالي بدأت مشكلة غريبة!
الرعشة الخفية
عندما قمت بتشغيل المحرك صباح اليوم التالي لاحظت أن السيارة ترتعش وهي في وضع الوقوف. الأمر كان مستهجنًا بالنسبة لي فقد امتلكت السيارة لعشرة أشهر كاملة عند تلك النقطة ولم ألاحظ قط أي شيء غريب من هذه الناحية.. على كل فقد قدت السيارة إلى مقر المركز ولم تكن رحلة طيبة بشكل عام. وقد لاحظت بعد هذه النقطة تدهورًا في أداء السيارة من ناحية القيادة والتوقف في الزحام والمطبات. فكان الحل بالطبع أخذها لكهربائي سيارات.
بدأت المشكلة عند هذه العلامة |
العبقري الكهربائي
نظر إليها “العبقري” الكهربائي وقرر أن الخلل في مضخة الوقود بنسبة 100% وطلب منا شراء واحدة جديدة بينما يقوم هو بإنزال خزان الوقود بالكامل ليستبدل قلب المضخة العاطلة..ذلك لأن فتحة الخزان العليا التي تحت الكراسي أصغر من أن تخرج منها المضخة دون انزال الخزان على الأرض.
أيضًا قرر هو أن المحطة التي قمت بتعبئة الوقود منها كانت تستخدم للديزل، كما قال هو أنه وجد أثارا لوقود الديزل في خزان الوقود وهذا كفيل بإتلاف قلب مضخة الوقود بالكامل..
وبالفعل قمنا بانتظاره يوما كاملا ليقوم بعمله.. وبدأ هو بعمل “موديفكات” وهو أمر تحدثت عنه في تدوينة سابقة.. حتى قام بتركيب قلب المضخة في نهاية المطاف ولكن الرعشة بالسيارة لم تتغير.. وعدت للبيت وأنا أكاد أبكي من شدة القهر..
صورة لقلب المضخة .. 3 قلوب في الواقع |
ذكرت في تدوينة مركز القناة أني كنت أريد أجر كورس التدريب لأصلح السيارة.. هذه هي المشكلة التي تحدثت عنها ..
لم تتحسن المشكلة بعد ذلك واستمرت في التردي تدريجيا.. لكن لأنني لم أكن أعمل بشكل يومي لم تظهر أعراضها بشكل سريع كما يجب ..
نوفمبر 2014 – إمتحان قبول المعيدين بمعهد غوط الشعال
اتصل بي رئيس قسم شؤون أعضاء هيئة التدريس ليبلغني بموعد الامتحان.. كنت في تلك اللحظة أمام إحدى الورش أقوم بتصليحات على السيارة على أمل أن تحل أزمة ارتعاش السيارة وانطفاء محركها من حين لأخر.. وبالفعل ذهبت للإمتحان في الموعد وقمت بأدائه. وأنا عائد للمنزل توقفت السيارة بالكامل عن العمل.. ولم تفلح محاولاتي البسيطة في تشغيلها ولم يفلح الميكيانيكي الذي اتصلت به في ارشادي لتشغيلها.. لذلك اتصلت بسيارة سحب ربطني هو بصاحبها وقمت بنقلها للمنزل.. تلك كانت أول رحلة على ساحبة ولكنها لم تكن الأخيرة..
البومبتشي مجددًا
كان الحل هو انزال خزان الوقود وفحص “البومبتشي” مجددًا .. طبعا انزال الخزان يتكلف نقودًا (80 – 100) دينار على حسب صاحب الورشة ومزاجه ذلك اليوم.. ثم أي فحوص أخرى على البومبتشي قبل إرجاع كل شيء إلى مكانه ..
سيكون من العبثي ذكر كل مرة أخذت فيها السيارة للورشة لحل هذه المشكلة بالذات .. ولا ذكر عدد مرات إنزال الخزان ونقل السيارة على ساحبة أو جرها للورشة بحبل.. لأن ذلك سيثير ردة فعل حامضية في معدتي..
نفس المشكلة تتكرر في كل مرة. قلب المضخة يتلف وأضطر لتغييره.. أكاد أجن ولا أعرف ما سبب تكرر العطل ولا أي نوع من سوء الحظ ابتليت به!
البدء من الصفر
قررت في النهاية شراء مضخة وقود كاملة من محل لقطع الغيار.. وبالاعتماد على رقم القطعة Part number ظننت أنه لا يمكن أن أخطئ.. لكنني أخطأت وكان الخطأ غالي الثمن حقًا.. قرابة 500 دينار من أجل القطعة كاملة!
تلك المضخة لم تعمل بشكل جيد وظل أداء السيارة مترديًا وأنا في حيرة من أمري، أين تكمن المشكلة.. في مرة يقول لي الكهربائي أن الأنابيب داخل البومبتشي مقطوعة، وأخرى أن القلب لا يعمل بشكل جيد. لحسن الحظ لدي مجموعة محترمة من القلوب. بلغت في أوجها 5 قلوب تقريبًا..مكنتني من عمل التباديل والتوافيق.
ظلت السيارة في موجات صعود وهبوط مع هذه المشكلة ومشاكل أخرى خلال سنة 2015 والنصف الأول من سنة 2016 حتى تم إرشادي لكهربائي مصري الجنسية يلقب بين أقرانه “بالجن”
حمادة الجن
حمادة كهربائي ذو مزاج خاص .. لا يقوم بإصلاح أي سيارة تأتي إليه بل يعهد بالمشاكل البسيطة والروتينية لصبيانه.. حمادة يحب التحديات التي يفشل الكل في إصلاحها.. وأنا أشهد أنه قام بمجهود خارق في إصلاح السيارة التي عجز الكل عن فهم مشاكلها . .
إتضح أن مشكلة البومبتشي لم تكن سوى نصف المشكلة، وأن هناك شيئًا أخر قام حمادة بإصلاحه لتستعيد السيارة شيئًا من بريقها الغابر..لا أذكر ذلك العطل بالضبط حقيقة..
اكتشاف مدو!
كما أن “حمادة” اكتشف أن “فيوز” المضخة تم الغاؤه بقطعة من السلك “تل”.. أي في كل مرة يزيد التيار قليلا يتلف قلب المضخة على الفور.. ذلك الغبي ذو طاقم الأسنان الصناعي قرر وضع تل على الفيوز بدل استبداله.. كنت لأدفع ثمن الفيوز ولو كان 10 جنيهات كاملة.. ولا أضطر لخوض كل هذه المصاعب!!
سوء الحظ الذي ابتليت به هو الغباء.. الغباء الذي دعى ذلك الأحمق لعدم وضع فيوز وتكليفي خسائر فادحة بسبب هذا الخطأ. ولم يكلف أحدهم نفسه فتح صندوق الفيوزات والنظر فيه..
للعلم علبة كاملة تحتوى على فيوزات من مختلف الامبيرات تتكلف من 2 – 5 دنانير!!
الفيوز (المنصهر) هو قطعة كهربائية تتلف عند زيادة شدة التيار عن حد معين والهدف منها حماية مكونات الدائرة الكهربائية من التلف..
الحل الأخير
قمت بناء على طلب “العم سالم” بشراء مضخة وقود من “الرابش”، وهذا لمن لا يعرفه المكان الذي تؤول إليه السيارات المعطلة والتي تتضرر في حوادث ليتم تخريدها وتحويلها لقطع غيار.. وقام هو بتوسيع الفتحة العليا للخزان قليلا لكي لا أضطر لتنزيل الخزان مجددًا كلما احتجت لاصلاح المضخة.. أشكرك من كل قلبي يا “عم سالم”..
ختامًا
سوء التشخيص والصيانة، وانعدام الأمانة يحول مشكلة تحل في ساعتين إلى أزمة وجودية تهدد سلامة المرء وصفاء عقله ..
كنت أتخوف من قبول فرصة عمل جيدة لأنني أعرف أن السيارة بحالتها تلك لا يعتمد عليها.. لن أستطيع الحضور بشكل دائم ويومي طالما سيارتي بها كل تلك المشاكل التي تهدد بالانفجار في أي لحظة..
رغم عدد المشاكل الكبير وزيارات الورش التي لا تنقطع، والضغط الذي حصل على ميزانيتي .. فأنا راض عن العملية بشكل عام وعن كل الدروس التي تعلمتها في الطريق ..
وكمعلومة لا تهمك .. لا أحب كلمة بومبتشي!