عندما كنت صغيرًا، كان والدي – حفظه الله ورعاه – يصطحبنا إلى البحر في إجازته السنوية، ويالها من أيام سعيدة عندما نركب سيارة أبي (المازدا) الهاتشباك وننطلق نحو بحر تاجوراء، القريب من ضريح (اﻷندلسي) بالمنطقة المسماة عليه.

كانت المنطقة السكنية التي نقطن بها قريبة نسبيًا من البحر، ومن الطريق الساحلي كذلك. فكان المناخ بها شديد الرطوبة، ويبدو ذلك جليًا في جدران المبنى وحيطانه. فهي تتقشر بسهولة ولا تظل على حالها. فكان الذهاب للبحر نوعًا من الاستجمام، وتبريد الحرارة في الصيف.

صياد ببدلة الغطس

لاحظت أنا وأشقائي، بينما كنا نسبح ونلعب على الشاطئ، صيادًا يخرج من عمق البحر، وهو يرتدي قناع الغطس، وبدلة سوداء شكلها غريب! لم نرى مثلها إلا في برامج الطبيعة. فاقتربنا منه وكلنا فضول. خاصة أنه كان يحمل جرة ماء بها كائن يتقلب، ويتحرك، وهو ليس سمكة!

ذلك الكائن هو اﻷخطبوط، ويتم صيده بواسطة الجرار. حيث أنه يدخل إليها لأنه يحب اﻷماكن الضيقة، فيعلق ويتم صيده! ثم قام الصياد بضربه عدة مرات لكي يقتله. فمنقار اﻷخطبوط له عضة يمكنها أن تؤذيك. كما يقال أن لحمه لذيذ، ويدخل في عديد من اﻷكلات، ومنها الأشهر ليبيًا (المكرونة المبكبكة).

وبينما هو يفعل ذلك، ارتخت مجساته، وأفرجت عن شيء أبيض مستدير. ظننت بصدق أنه بيضة أخطبوط.

سألت عنها الصياد فقال أنه لا يعرف ما هي. وأن قاع البحر مليء بها، وأنه يمكننا أن نحتفظ بها إن أردنا.

كرة الجولف

شعرنا بالحيرة الشديدة أنا وأشقائي، ماذا تفعل كرة جولف في قاع البحر؟ خاصة وأن الجولف شيء لم نره إلا على التلفاز. فهو رياضة ليست منتشرة كثيرًا في بلادنا، ولا نعرف أحدًا يمارسها.

;كان الجواب لدى والدي – حفظه الله -، فهذا المكان كان ملعبًا للجولف، عندما كانت القوات اﻷمريكية متمركزة في قاعدة معيتيقة، قبل جلائهم في الحادي عشر من يونيو، عام ألف وتسعمائة وسبعين. أي أن تلك الكرات ظلت أكثر من ثلاثين سنة تحت سطح الماء! قبل أن يخرجها الصياد، مع اﻷخطبوط.

وهذا يعني بحسبة بسيطة، أن عمر هذه الكرات يتعدى الخمسين عامًا!!

هل تعتبر هذه الكرة – يا ترى – أنتيكا؟ وهل أجد من يشتريها على الإنترنت؟ سألت نفسي ذلك مرات عدة. هل يمكن وضعها بالمزاد مثلا؟

ولكن هذا يطرح سؤالًا آخر: هل أبيع قطعة من ذكريات طفولتي، مقابل الربح المالي؟

هل تكفي صورة، على سبيل المثال لإحياء الذكرى؟ بينما يمكن استثمار ثمن الكرة في شيء آخر مفيد؟

في الختام

هذه كانت تدوينة سريعة، حول ذكرى قديمة نشطتها قطعة أثرية رأيتها في البيت. وقررت التدوين عنها، ومشاركتها مع القراء. بغرض تخليد ذكراها.

ماذا عنك عزيزي القارئ؟ هل سبق لك ملاحظة شيء شبيه؟ هل لديك تذكار من الطفولة مثل هذا؟ شاركني به في قسم التعليقات، وشكرًا لك على القراءة.