أنا متأكد أن القارئ اللبيب لم يفوت أن الصورة التي أعلى المدونة هي لقوس ماركوس أوريليوس الشهير من العاصمة طرابلس. أحد أشهر معالم المدينة وأهمها.
يشتهر القوس لدينا باسم (قوس ماركوس)، وأجزم بأن أغلبنا لا يعرف من هو ماركوس اوريليوس. وربما من كان يعرفه، لا يعرف أنه ألف كتابًا. تفوق أهميته التاريخية، أهمية القوس بأضعاف مضاعفة!!


هل يمكن لهذا الأمبراطور أن يترك أثرًا أهم من القوس؟ نعم يمكنه.
اليوم أنوي الحديث عن هذا الكتاب، والعروج على شخصية هذا الأمبراطور، وفلسفته في الحياة. وحكمته التي أودعها سطور هذا الكتاب.

​في البداية، من هو ماركوس أوريليوس؟

ماركوس أوريليوس هو امبراطور روماني، حكم خلال الفترة من (161-180) ميلادية. وكان يعرف بأخر الأباطرة الرومانيين الخيرين. وبموته انتهى عهد الباكت رومانا. أو فترة السلام الروماني. ودخلت الامبراطورية فترة من الحروب والاقتتال الداخلي.

أشهر أثاره هي القوس المبني بالعاصمة الليبية طرابلس. وله عمود بمدينة روما لا يحظى بنفس الشهرة!
عاش هذا الامبراطور حياة متقشفة، بالمقارنة مع أباطرة الرومان. كما كرس حياته للفلسفة والدروس، وكان يرعى المدارس الأربع الفلسفية في روما ويصرف عليها بشكل متساوي، وإن كان يميل للفلسفة الرواقية. التي تأثر بها، وشكلت شخصيته، وطريقته في الحكم.


ما هي الفلسفة الرواقية لعلك تسأل؟

الفلسفة الرواقية (ستويزم) هي فلسفة يونانية تتلخص في عدم الافراط، لا في الحب، ولا في الكراهية، ولا في ابداء المشاعر، ولا في توقع الخير، أو الشر. كل آت سيأتي، وكل فائت قد ذهب.

وكذلك عدم التبرم أو السخط من الظروف الصعبة.
ربما تبدو فلسفة بسيطة في مظهرها، لكنها أعمق بكثير من هذا الوصف المختزل.

كتاب التأملات

لم يكن كتاب التأملات معدًا للنشر، بل كان أقرب ليوميات ماركوس الخاصة. التي كان يكتب فيها بكل حميمية وتجرد، وشابها طابع التكرار، والغموض من حين لآخر. لذلك غاب عنها التنقيح، ولم تمسها يد المصححين. وظلت صورة دقيقة لما يفكر فيه الرجل في خلواته، وفيما يدور بفكره عندما يكون بعيدًا عن العالم بأسره.
وهذه نقطة مهمة يجب أن نتوقف لديها ..
العالم بأسره.
هذا الرجل كان إمبراطورًا لروما، العالم القديم بأسره كان تحت سيطرته. وبالنسبة لرجل يتمتع بهذا القدر من السطوة، والسلطان. كان رجلًا يحاول جهده أن يفعل الخير، وأن يبتعد عن الشرور ما استطاع لذلك سبيلًا.
دافعه في ذلك هو الأخلاق، ولا شيء سوى الأخلاق ..
الرغبة في أن يكون رجلًا ذا خلق، أن يفعل الخير، وأن يترك بصمة ايجابية في هذا العالم الفاني.
الموت كان حاضرًا بقوة في التأملات، يرفرف بظلاله على الكتابات. ويضع كل شيء في حجمه الحقيقي.

أهمية هذا الكتاب

كانت البشرية لتفقد الكثير، لو أن كتاب التأملات ضاع ومحته السنون، لكنه ظل شاهدًا على معاناة الإنسان، ورغبته في الكمال، وخوفه من الموت. وارادته السمو فوق الشرور والخطايا.

لذلك أعتقد أن التأملات عمل مهم، أنصح بقراءته سواء كنت من سكان طرابلس ورغبت في معرفة المزيد حول القوس، أو كنت من المهتمين بالفلسفة بشكل عام.

اقتباسات من الكتاب

توجد العديد من الاقتباسات الملهمة في الكتاب. أعترف أن بعضها استوقفني لبعض الوقت – وأنا الذي ظننت أنني قارئ سريع، ونهم -. لأن التفكير في أن رجلًا عاش قبل ألفي سنة، عانى وفكر، ومر بمواقف شبيهة بما نمر به اليوم. هي فكرة غريبة، ومشوقة في نفس الوقت.

“لديك القدرة على عقلك، لا المجريات الخارجية. أدرك ذلك، وسوف تعثر على القوة.”
“سعادة حياتك تعتمد بالأساس على جودة أفكارك”
“كل ما نسمعه هو رأي، وكل ما نراه هو منظور، وليس الحقيقة نفسها”.

في الختام

رأيت أنه من المستحيل أن أراجع هذا الكتاب بمعزل عن الظروف التي كان الكاتب – الامبراطور – يعيش فيها، ودون التعريف به، وبالقوس الذي تركه شاهدًا على الحضارة التي عاشها القدماء.