ونحن نقترب بخطى حثيثة من عيد الأَضحى المبارك، أعاده الله عليكم وعلينا بالخير واليمن والبركات (يمكنك اعتبار هذه التدوينة تهنئة بالعيد)، لا بد من الوقوف على الوضع الاقتصادي في ليبيا هذا العام لفهم الأمور بشكل أوضح.

 المشهد الليبي الحالي

لا تزال هناك عدة حكومات تتصارع في ليبيا دون أي بادرة للاتفاق، وسعر الدولار في السوق السوداء أكثر من ثمانية دنانير.

أزمة الكهرباء المزمنة تجعل الاحتفاظ باللحم أمرًا شديد الصعوبة، وكثرة التجميد والذوبان تؤدي باللحم إلى الفساد.

أزمة السيولة لا تزال مستمرة لعامها الثالث على التوالي ولا يبدو أنها ستذهب لأي مكان، الناس لا تستطيع سحب المال من المصارف وتبيت أمامها طمعا في لقمة العيش. وعود المصارف بالسحب مرتين هذا الشهر ليتمكن الناس من شراء الأضاحي سببت ازدحاما مروريًا خانقًا في كل منطقة بها مصرف (وما أكثرها) أو زريبة خرفان عشوائية -وبانتظار يوم العيد لنشاهد العاصمة خالية من سكانها تماما!-.

الأضاحي “المدعومة” من الدولة والتي استوردت من أسبانيا خصيصًا لفك أزمة الخراف تم تهريبها إلى تونس لبيعها بفارق العملة، وارتفع سعر الأضاحي المحلية بشكل كبير ليتجاوز الألف دينار للخروف الذي تجوز به الأضحية (ويصل لألف وخمسمائة، وألفي دينار).

البقية الباقية من الأضاحي الإسبانية يقف الناس في طوابير طويلة في الشمس المحرقة ليتمكنوا من شرائها بالشيك المصدق وبطاقة السحب الذاتي -التي أثبتت أنها عديمة الفائدة حتى الآن-.

 

حتى إن لم يتم تهريب الخراف المستوردة، المشكلة في العقلية التي ترفض التضحية بالخروف المستورد، وتصر أن تضحي بخروف محلي جواز سفره باللون الأزرق ويحفظ النشيد الوطني للبلاد – ويقوم بأدائه قبل ذبحه مباشرة -، خوفًا من كلام الناس وضحكهم عليهم. ومستعدون لاستدانة مبالغ من المال، وحتى بالربا لذبح خروف!! وهذا من جملة الحوارات التي سمعتها أثناء وقوفي “المثمر” أمام المصارف في الأيام الأخيرة.

نفس البشر الذين تداينوا لشراء البدلة العربية للمعايدة بها في عيد الفطر، هم الذين يصرون على شراء الخروف “الوطني” للتضحية به، -وكلنا سمعنا قصة البدلة العربية الخضراء التي بيعت في المزاد بأربعة الآف دينار – كاش – !!-

نسي هؤلاء الناس أو تناسوا أن الأضحية سنة مؤكدة للقادر، وأن من لا  يستطيع أن يضحي فقد ضحى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فما بالك بمن لا يجد قوت يومه! فهذا تسقط عنه الأضحية وتجب عليه الصدقة والزكاة،. لكننا شعب يخاف العيب وكلام الناس ولا يخاف الحرام.

هي نفس العقلية التي سهلت لشرذمة من التجار -الفجار- التحكم في حاجاتنا، والتي ستؤدي بنا -كشعب- للانقراض السريع إن شاء الله تعالى، ليحل محلنا شعب مرن جديد يتعلم من أخطائنا ولا يكررها، بل يتندر بها ويجعلها فكاهة!

الآن سأقوم بسؤال أسئلة بديهية لم يفكر فيها الكثيرون:

  • هل الأضحية نسك لله؟ أم أنها شيء نفعله ليرضى عنا الناس ولا يضحكوا على فقرنا وحاجتنا؟
  • هل الأَضحية لحم يخزن في الفريزر؟ أم أنها للهدية والصدقة والأكل منها؟
  • هل تجب الأَضحية على شعب لا يجد قوت يومه؟
  • هل لا زلنا نحن الشعب الغني المرفه الذي لديه كل المقومات ويعلو على كل من يعمل لديه؟ أم أنها كذبة تضاف لجملة الأكاذيب التي نرددها كل يوم ونصدقها بإيمان غيبي: نحن شعب المليون حافظ، بلد الإسلام بالفطرة، الشعب المحافظ.

التدوينة العربية القادمة ستكون حول خط الفقر، لعلها توقظ من لا يزال نائما في الأوهام يحلم بجهاز الاستثمارات الخارجي  والموقع الجغرافي المتوسط واﻷرصدة المجمدة!!

كيف حالكم أعزائي القراء في هذا العيد؟ هل اشتريتم الخروف بالفعل؟ ما تعليقكم على هذه التدوينة و أي أفكار أخرى تدور ببالكم؟

قسم التعليقات ليس عليه طابور ولا منظومة، ونقبل كل طرق الدفع – التعليق ببلاش!! -.


8 Comments

Muaad Elsharif · 2017-08-31 at 08:25

كل العام وأنت بخير أستاذتي الفاضلة، وعسى الله أن يكفر ذنوبنا وسيئاتنا ويفرج كرباتنا في هذه اﻷيام المباركات
شكرا لك على القراءة والتفاعل

Muaad Elsharif · 2017-08-31 at 08:26

وأنت بألف خير وصحة عزيزي جواد

جواد · 2017-08-31 at 08:00

عيد مبارك سعيد أستاذ معاذ ولقرائك الكرام

Anonymous · 2017-08-31 at 08:00

كل عام وانت وأسرتك الكريمة بألف خير معاذ،،
لست أدري ما أقول ولا ماأعلق على هذه الأسطر المبكية المضحكة قليلا خاتمتها،،فعلا شر البلية مقايضة وبالعامية هناك من يقول " كثر الهم يضحك"
لعلنا حقا شعب متدين بالفطرة نتمسك بكل سنة ظاهرة للناس وتصبح عرفا وسنة اجتماعية مؤكدة بل وحتى فرض اجتماعي واجب ونتناسى العبرة وحكمة الله ورسوله في سننه وموجباته. نتمسك جدا بصوم رمضان ونجلس على مالذ وطاب بعد آذان المغرب وننسى الحكمة من الصيام ، نشتري الأضحية بمبلغ باهظ ويوم ذبحها نتفنن في التجهيز للمقبلات والبعديات التي تؤكل معها وننسى أن نتقرب بها الى الله أو نتصدق منها الا مارحم ربي من بعض الاخيار الصالحين.. الأغلبية من اللليبييين يقولون " نشرو ضحية تفرحو بيها الصغار، ولا نقول نتقرب بها إلى الله ونتصدق منها!! الله المستتعان..نتذكر العيد ونستعد له بشراء الاضاحي بتلك المبالغ المجنونة ونتناسى سنة أخرى من السنن المحببة الا وهي صيام أوائل ذي الحجة

ربما يحق لي أن أبارك لك ثمرات جهود وقوفك أمام المصرف فهي حقا أصبحت وقفة تستحق المباركة
بارك الله فيك معاذ ووفقك وبارك لك في وقتك وجهدك وعمرك
لعلها أياما مباركا يقبل الله فيها دعاءنا ويفرج كربناويمحو ذنوبنا وتقصيرنا

Muaad Elsharif · 2017-09-05 at 08:58

وعليكم السلام
إن شاء الله، وكل العام وأنت بخير
شكرا على القراءة والإطلاع

Unknown · 2017-09-05 at 08:57

السلام عليكم
ينعاد عليك بالخير أستاذ معاذ ..
سلمت يداك وربي يفرج علينا ووضع البلاد والعباد يكون أحسن ولله أقرب
إستمر في التألق تدوينه رائعة كالعادة ..

Muaad Elsharif · 2017-12-24 at 23:32

هذا كله صار لأن العبادة تحولت لعادة ومش مقصود بها رضا الله بل رضا الناس وموافقتهم.
شكرا لك على المرور يا سارة

Sara Z · 2017-12-24 at 23:26

وكان الجماعه اللى حلم حياتها تسافر وتعيش بره حيبعتولهم اماليهم لحمهم كله وطني من هني ، مافهمتش كيف !
العيد الكبيره زيه زيه الصغيره وزي رمضان وغيره ، الفكره الاساسيه تريح فسط "العادات والتقاليد" شن هي العادات والتقاليد اصلا ؟ هي حاجه كانت ماشيه مع ناس في وقت معين وكانو يديرو فيها وتعودو عليها ، الوقت تغير والعادات مفروض يجي بدالها عادات جديده تساعد الناس اللى عايشين توا مش اللى عاشو وماتو من سنين فاتو ، طبعا مش على كل العادات نحكي ،،

Comments are closed.