العمل المستقل عبر الانترنت يعني أن يعمل الشخص لصالح نفسه كمصمم أو كاتب محتوى في مقابل مادي، في العالم اﻷول يكفي دخل المستقل من أن ينفق على نفسه وأسرته بأريحية وأن يعمل من منزله (أو مساحات العمل المخصصة للمستقلين، أو مقهى!)، بينما في ليبيا لا تزال هذه الثقافة غائبة عن المشهد بشدة. إليكم أعزائي القراء ثلاث قصص عايشتها بنفسي تضاف لتدوينات الأعمال التي قمت بها من قبل: الشركة النفطية، ومركز التدريب، والعمل كمعيد، ولم أكتب عن العمل كمهندس صيانة في الجامعة لأنني استمتعت بتلك الوظيفة!!
 

القصة اﻷولى: موقع ومنظومة

شعر أحد “أصدقائي” بالشفقة علي، فأنا أنتظر التعيين بصبر بينما هو يعمل بجد في مصلحة حكومية (هذا “الصديق” زور شهادته لأنه لم يتخرج، وحصل على عمل بالواسطة)، لذلك قرر مخاطبة مدير المستشفى الحكومي الذي يعمل فيه ليجد لي وظيفة، وبالفعل ذهبت إليه في مقر عمله وجلست مع مديره الذي لم يكن مهتما بتعييني بسبب الوضع الراهن للبلاد (الذي تحول لحالة ثابتة بمرور الزمن)، بل كان يريد مني القيام ببعض اﻷعمال التقنية لإثبات الكفاءة قبل التعيين، فطلب مني تصميم موقع للمستشفى واستضافته لدى شركة ليبيا للاتصالات والتقنية في مقابل 300 دينار ( تدفع لاحقا بسبب الوضع الراهن للبلاد)، وبحسبة بسيطة اتضح لي أن اﻷمر لا يستحق العناء، خاصة أنه رفض دفع عربون أو منح واصل، ناهيك عن توقيع عقد لتصميم موقع للمستشفى وأبدى استنكاره الشديد من هذا الطلب، بينما هو ضمان لحقه وحقي (تبرعت بتوثيق العقد لدى محرر عقود بنفسي وعلى نفقتي الخاصة ومنحه نسخة من العقد).

أما عن المنظومة فقد قال أن المصمم (من جنسية عربية) سافر وترك المنظومة غير مكتملة وطلب مني إجراء بعض التعديلات البسيطة التي يمكنني عملها و”أنا واقف” حسب تعبيره ، ليتضح أن المنظومة ليس معها توثيق، كما أن الشيفرة المصدرية لدى المصمم الذي هاجر لدولة أوروبية.

اكتشاف مذهل!

لاحقا اعترف لي “صديقي” في إحدى جلساتنا الصباحية أن مدير المستشفى نصاب كبير، وأنه زور فواتير المنظومة ودفع للمصمم مبلغًا زهيدًا في مقابل تعبه بينما تقاضى هو مبلغا يتجاوز ال 10,000 دينار مقابل التصميم من الدولة، وأنه بعد تغيير المدير قاموا بالتعاقد مع شركة لتصميم منظومة متكاملة للمستشفى، يا ترى كم كان السيد المدير ينوي أن يضع على فاتورة الموقع في مقابل مجهوداتي؟

القصة الثانية: صفحة بس

أحد “أصدقائي” تواصل معي وطلب مني تصميم صفحة واحدة له ليضيفها لموقعه (الذي يبدو كطبق معكرونة)، واقترح علي مبلغًا زهيدًا جدًا (75 دينار)، بحجة أنه لو تعاقد مع مصمم من الخارج سيكلفه اﻷمر 5 دولارات، وبحسبة سعر الدولار في السوق السوداء هذا هو المقابل بالدينار الليبي، وأنه يرغب في دعم الشباب الليبي أو ما شابه!

وافقت على الطلب لأنني كنت أشعر بالملل في ذلك الوقت، ولأنه “صديق” لم أطلب عقدًا أو عربونا – باليتني فعلت – لكنه لم يجب على هواتفه، ولم يتعب نفسه بالنظر إلى التصميم الذي صنعته له وأرسلته له بالبريد بحجة الانشغال والسفر، لذلك لم أسلمه التصميم النهائي (لا يزال لدي حتى اليوم).

هذان الصديقان هما اللذان اتخذت قرارا بالتخلي عنهما نهاية العام الماضي، يالهم من أصدقاء رائعين..

القصة الثالثة: هيا بنا نلعب!

صادفني إعلان على موقع السوق المفتوح يطلب كتاب محتوى لموقع شبابي سيفتتح قريبًا، تواصلت مع صاحب الإعلان وحدد لي مكان اللقاء في مقهى (بالقرب من المستشفى في القصة اﻷولى)، وبالفعل كنت هناك في الموعد للخضوع لمقابلة عمل.

سألني الشخص عن مؤهلاتي وخبرتي في مجال التدوين، ولماذا اخترت الاستضافة المحلية بدلا من اﻷجنبية وعدد زوار مدونتي، الخ.. ثم شرح لي فكرته بالتفصيل. بعد ذلك دخلنا في التفاصيل المادية..

قال لي أنه يدفع 150 دينار شهريا في مقابل 150 مقال. نظرت إليه وأخبرته أن كتاب المحتوى يشتغلون بالكلمة، لا بالمقال، كما أن دفع دينار ليبي واحد لمقال من 500 كلمة هو أمر في غاية السخف!!

بعد فنجاني قهوة و”بريوشتين” قرر دفع 150 دينار في مقابل 75 مقال (كأننا نتفاصل حول صندوق خيار)، وعدت إلى المنزل بعد الاتفاق على إرسال المقالات له على بريده ليطلب التعديلات، ثم ينشرها هو على الموقع، وألتقي معه في نهاية الشهر في المقهى ليعطيني المستحقات الشهرية.
بعد فترة من العمل معه اكتشفت أنه لا يقرأ المقالات، ولا ينشر شيئًا، ولا يبدو أنه ينوي الدفع لي. لذلك أنهيت الشراكة مع السيد سالف الذكر.
السبب الوحيد الذي دفعني لقبول عرض مثل هذا العرض السخيف أن سيارتي كانت في الورشة وكنت مصابًا بحيرة شديدة تجاه مشاكلها (سأخصص تدوينة كاملة لهذا الموضوع) لذا بدا لي أن العمل من المنزل فكرة جيدة حتى أتمكن من إصلاح السيارة والعودة لمحاربة الزحام كما هي العادة دائما.

قصص نجاح من الخارج

حصلت على عروض جيدة للترجمة من الخارج ولم يتأخر أصحابها في السداد نهائيًا، دونت عن ترجمة واجهة برنامج CodeLobster على المدونة ويمكن الاطلاع عليها من هذا الرابط، كما ترجمت واجهة برنامج Youtube Downloader ويمكن الاطلاع على التدوينة من هنا.

ما هي المشكلة مع الزبون الليبي؟

المشكلة أن الزبون الليبي يعتقد أن العمل على الكمبيوتر بسيط ويمكن لأي شخص القيام به، بل يمكن استئجار مجموعة من قردة الشيمبانزي (أكرمكم الله) وإعطاؤها آلات كاتبة وتوقع أنها ستطبع مسرحية لشكسبير (بعد رؤية عدد من مواقع الجهات العامة يراودني الشك في أن مصمميها من هذه الفئة). لذلك يعرضون مبالغ زهيدة جدًا ويماطلون في الدفع (هذا إن دفعوا)، بينما العمل في قطاع المعلومات في الخارج يدر عشرات اﻵلاف من الدولارات سنويًا.

وينسى أو يتناسى أن للمصمم نفقات أساسية يجب أن يدفعها، كاشتراك الإنترنت، فاتورة الكهرباء، وصيانة الكمبيوتر عندما يتعطل (دون أن نذكر الأكل، والشرب، والعلاج، والسكن، وصيانة السيارة، إلخ).

خاتمة

ثلاث قصص مختلفة مع ثلاث قطاعات: الحكومي، والخاص، والمستقل. في غاية الروعة واﻷناقة!!

هل قمت بعمل كهذا عزيزي القارئ؟ هل لديك تجربة تود سردها؟ ما رأيك في هذه القصص؟

شاركني في قسم التعليقات وشارك التدوينة على وسائل التواصل.