في طرقات ليبيا بشكل عام – وطرابلس بشكل خاص بسبب الاكتظاظ السكاني وكونها أكثر المدن ازدحاما بالسكان والسيارات – تكثر المطبات. منها الصغير الذي لا يلاحظ. ومنها ما يعادل جبل (أبو غيلان في غريان) طولًا وعرضًا وارتفاعا! وكثيرا على هذه المطبات ما تجد سيدة – متشحة بالخمار أو “الفراشية” معظم الوقت – تمد يدها طلبًا للصدقة، أو تبيع مناديل ورقية.

في بعض الأحيان تحمل هذه السيدة طفلًا صغيرًا يبدو تحت أشعة الشمس الحارقة أقرب للميت منه إلى الحي. مشهد مؤسف يقطع نياط القلوب. أو تضع عجوزًا منهكة على كرسي ذي عجلات وتطلب بها الصدقة. وسط الطريق والسيارات تروح جيئة وذهابًا. لاستعطاف السائقين ودفعهم للتصدق عليهم بما تجود به أنفسهم.

للأسف كثيرا ما تتبع هذه السيدات لعصابات تمتهن التسول – وهي جريمة يعاقب عليها القانون الليبي -. لكن هؤلاء لا يبالون بمواد القانون. ومكاسبهم تتعدى المئات من الدنانير في اليوم. بل وتصل للآلاف في الأسبوع! كيف أعرف هذا؟ لأنه عندما يقبض عليهم يتم الكشف عن مكاسبهم، أو أصحاب المحلات التجارية الذين يقومون بصرف الفئات النقدية الصغيرة “الرقاق” إلى فئات أكبر لهؤلاء المتسولين ويعرفون تمامًا أنهم ليسوا من ذوي الحاجات.

بل إنه يتضح أن هناك رجالًا يتسولون ويستترون بالخمار لاستدرار العطف؟!؟!

“ماذا يفعل التعليم في وطن ضائع؟”

يحزنني عندما أرى صبيًا في عمر المدرسة يعمل في التسول. أستطيع تفهم ذلك إن كانت أسرته محتاجة لعمله. لكنني أبدًا لا أستطيع التسامح مع من يخرج ابنه من المدرسة وهو قادر على إعالته، ويرمي به على قارعة الطريق ليبيع المناديل أو يتسول رزقه.

في مرة صادفت فتاة صغيرة تطرق على نوافذ السيارات وتطلب الصدقات إن وجدت النافذة مقفلة. يسرح عقلي في تخيل ماذا يمكن أن يحدث لفتاة صغيرة تتسول وسط الطرقات وحدها من مخاطر وأهوال. خاصة إن كانت هي تطرق على نوافذ السيارات بنفسها!!

هل هذا يعني أني أقول لك ألا تتصدق؟

بالطبع لا!  لماذا أريد منع الصدقة؟ أنا فقط أتمنى أن تصل الصدقة إلى من هم بأمس الحاجة إليها. ولا أظن بالضرورة أن “سيدات المطبات” يندرجن تحت هذه الفئة. إن كنت قرأت تدوينة صندوق الزكاة فستعرف أن الصندوق لديه بيانات أسر تحتاج بالفعل للصدقات. وحاجتها موثقة ومعلومة. ويمكن لأي شخص في أي وقت أن يتصدق بأي مبلغ يشاء للصندوق. غير زكاة المال المفروضة. وإن لم تكن قرأتها فهذه فرصة جيدة بالفعل أن تذهب وتطلع عليها!

حالات وقفت على حاجتها بنفسي

عملت مع منظمة إنسانية مؤخرًا تعمل في المجال الإغاثي، واطلعت بنفسي على حالة بعض فئات المجتمع الأشد فقرًا. والتي تحتاج لكل مساعدة ممكنة (عينية ونقدية). ويستحي أفرادها من مد أيديهم في الشوارع طلبًا للحسنات. لك أن تتصور أسرة من ثمانية أفراد تسكن حجرة مسقوفة بالصفيح. ويعاني فرد أو أكثر منها من إعاقة جسدية أو عقلية. تعيش على أقل من 500 دينار ليبي شهريًا. – الدولار يساوي رسميا 4.49 دينار ليبي -. هذا مستوى من العوز لم أتخيله، وأنا فرد عانيت من مرارة النزوح والبعد عن البيت، وضيق المسكن، وانقطاع مصدر الدخل.. يليها دمار البيت. ويفتح عيني المرء على ظروف من هم أقل منه في المستوى المعيشي. ويذكره بحمد الله على كل حال.

يوتوبيا مفترضة

في عالم مثالي يدفع فيه الموسرون والأغنياء زكاتهم. ويتصدقون من حين لآخر. لا يحتاج الفقير لتسول حاجته في الشارع. ولا يكون هناك مكان للتسول وسط الطريق العام. لكن عالمنا أبعد ما يكون عن المثالية واليوتوبية المفترضة. بل إن كثيرًا من الناس لا يدفع زكاة ماله أصلا ويجد لذلك المبررات والمسوغات. ناهيك عن الصدقة!

ختامًا

ماذا عنك عزيزي القارئ؟ هل تدفع بحسنة لتلك المتسولات مفترشات عرض الطريق؟ أم أنك تفضل دفع الصدقة لأسر أنت متأكد من حاجتها؟ أو صندوق الزكاة كمؤسسة موثوقة؟ شاركني بذلك في قسم التعليقات.