سألني الصديق والقارئ الدائم (أبو إياس) صاحب المدونة التي تحمل نفس الاسم، في تعليق على تدوينة الذكرى العاشرة لبدء هذه المدونة عن تفسير لهذه العبارة:
“لم أعرف أن هذه العملية سأدخل إليها شخصًا، وأخرج شخصًا أخر بالكامل! ..”.
وقال أنه يعتقد أنها تستحق تدوينة منفصلة للوقوف عندها، وتفسيرها.
حسنًا عزيزي، إليك التفسير الذي طلبته.
بدء الحكاية
لفهم حكايتي مع التدوين والتغييرات التي حصلت في شخصيتي عليك فهم عدد من الظروف والمتغيرات التي كنت أمر بها، والتي لا يمكن فصلها عن التدوين في حد ذاته.
- بدأت التدوين في العام 2012. بعد أقل من عام على سقوط حكم (معمر القذافي)، ومرور البلاد بتغيرات سياسية واجتماعية حادة. مفهوم حرية التعبير كان لا يزال شيئًا جديدًا ولامعًا. وسقف الحرية يبدو بدون حدود – بشكل نظري على الأقل -.
- أيضًا كنت في السنة الأخيرة من المعهد العالي، وعلى وشك دخول معترك الحياة العملية وبدء رحلة العمل والكفاح.
ما علاقة هذا بالكتابة؟
كانت لي محاولات خجولة ومبعثرة هنا وهناك. كتبت معظمها على ورق، واعتبرت نقلها على الكمبيوتر نقلة نوعية تستحق الاحتفاء بها. لاحقًا نشرت بعض هذه الكتابات تحت وسم: كتابات عشرينية.
بل إن بدء رحلتي مع هذه المدونة كان بالصدفة البحتة، وتخللته مشاريع كثيرة، وبوادر مدونات متفرقة هنا وهناك فشلت جميعها. وقمت بجمع محتوياتها لاحقًا على هذه المدونة لضم أرشيفي الخاص في مكان واحد.
مرحلة نمو وبناء
هذه المرحلة من الحياة هي مرحلة امتحان الأفكار النظرية والمبادئ المثالية على أرض الواقع ورؤية إن كانت ستصمد أمام ابتلاءات الحياة وفتنها.
تصادف أن العشر سنوات التي أمضيتها في التدوين هي العشر سنوات التي تلت مرحلة الدراسة. فكانت هذه المدونة توثيقًا للأحداث والأزمات، والصراعات التي مرت بها ليبيا. وتأثير ذلك على الخدمات الأساسية، والبنية التحتية، والأنظمة المصرفية، والحياة بشكل عام. وعلي أنا بشكل خاص.
أبث السطور حزني وشكواي، وأتحرر من التجارب الأليمة التي صاحبت رحلتي الشخصية وسني شبابي، متخذًا من الكتابة وسيلة للشفاء ومواصلة السير.
وأثناء هذه العملية كنت أنمو، وأزداد خبرة وحنكة. وأحاول قصارى جهدي عدم تكرار أخطائي السابقة، وتوفير أمثلة عملية أستطيع العودة إليها وقت ما أشاء، بل ومشاركتها مع العالم بأسره.
كانت كتاباتي مرآة أتجرد فيها من أدراني وأواجه أفكاري كما هي. أنقدها وأعدل فيها.
أوثق تجاربي ومشاعري وأفكاري، وأترك بصمتي في هذه الحياة، وعلى نفسي. وهو شيء لم يسبق لي فعله بهذه الوتيرة، أو مشاركته على العلن!
قوة العادات
أعتقد أن جلوسي بشكل متكرر للكتابة، والبحث، والتعديل. وإنفاقي في سبيل ذلك ساعات عديدة لا أحصيها. قد غير في كإنسان. وصبغ شخصتي بطباع لم أكن أعهدها في نفسي قبل أن أسير على هذا الدرب. لقد صرت أبحث بعيني في كل مكان عن شيء ألتقط له صورة وأكتب حوله. وأفكر في كل حدث يمر بي وكيف يمكنني صياغته في كلمات، وربطه مع كل ما مر بي سابقًا.
إن الماء يحفر الصخر، ليس بالقوة وإنما بالتكرار.
محاولة لإيجاد الثبات في عالم متغير
خلال هذا العقد من الزمن شغلت عدة وظائف، وامتلكت عددًا لا بأس به من الأجهزة، وسكنت في منازل عدة. لكن الشيء الوحيد الذي ظل ثابتًا هو الكتابة. لقد منحتني الكتابة بشكل عام (والتدوين بشكل خاص) رؤية مختلفة للحياة وما يمر بي ويحدث حولي.
هذا هو ما أقصده بدخولي إياها شخصًا، وخروجي شخصًا آخر.
في الختام
أضع المستقبل نصب عيني. هل سأواصل مسيرة الكتابة؟ هل سوف يغير في العقد التالي (إن أمدني الله بالعمر لأعيشه) كما غير العقد الفائت؟ هل سوف أكتب حوله هو الآخر؟
ما رأيك عزيزي القارئ في هذه التدوينة؟ شاركني برأيك في قسم التعليقات، وشكرًا لك على القراءة.